أخر الأخبار
شكراً جلالة الملك عبد الله الثاني
شكراً جلالة الملك عبد الله الثاني

أشرنا الأسبوع الماضي الى أن الأهمية الاستثنائية لهذه القمة انها قمة من أجل فلسطين، او التأكيد في هذا التوقيت على محورية ومركزية القضية الفلسطينية على أجندة العرب السياسية او خطابهم السياسي الموجه الى الآخرين، وكانت هذه القمة العربية كذلك. صحيح ان ملوك وأمراء وزعماء العرب المجتمعين على بعد كيلو مترات من فلسطين، لم يتدارسوا او يبحثوا في خطة لتحرير القدس والضفة الغربية، ولكنهم اجمعوا وكان هذا هو اتفاقهم او إجماعُهم الأوحد على الخطة نفسها التي اقروها في الماضي، من اجل إعادة بعث وقيامة الدولة الفلسطينية. وكان في هذا التأكيد على منطق او موقف الاستمرار أهمية بالغة في هذا التوقيت، على مبدأ الاستمرارية وإغلاق ما يمكن ان نسميه «ثغرة الدفرسوار» في اختراق الموقف العربي. الم يتحدث ويتفاخر بنيامين نتنياهو قبل اشهر انه استطاع اختراق الموقف العربي؟ ولعل الرجل سمع الجواب وكان الجواب قاطعاً وحاسماً.

لكن السؤال الذي تثيره هذه المقاربة حقاً، هل وصلنا الى هذا الوضع عبر هذا المسار الطويل الممتد منذ اول قمة عربية العام 1964، لنرى في مجرد الحفاظ عل هذه الاستمرارية او الثبات على الموقف السياسي او السلامي العربي، كما لو انه استثناء او ميزة استراتيجية نحتفي بها ونمتدحها، بل وننظر اليها كادارة حكيمة ونصر على بنيامين نتنياهو؟. 

والجواب انه في وضع وظرف كالذي نتصارع معه، فإن هذه الفرضية صحيحة بل وتمثل سياسة وذكاء جمعيا وتفوقا على الذات، وقدرة مدهشة على الطفو والصمود وانتصارا للروح العروبية والقومية. اذا كنا نتحقق في حالة او مرة او ظرف استثنائي انه حتى في غياب دمشق بما ترمز وهو غياب يؤسف له عن هذه القمة، ليس هو المعيار او قاعدة القياس لتعريف او تحديد غلبة هذه الروح وحضورها وثقل ارثها في صياغة الموقف العربي الجمعي، وإنما فلسطين وفلسطين أولا، وليس هذا قليلاً. 

وهذه القمة ان كان لها رسالة واحدة وقوية الى العالم وحتى الى العرب انفسهم، فان هذه الرسالة فحواها ان هذه الأمة ما زالت بخير ما دامت قادرة على الارتفاع فوق حروبها الداخلية وأشلائها وجراحها، وفوق رمادها للحفاظ على بوصلتها.

لم يحدث اذن الانهيار في الموقف العربي القومي الذي توقعه او انتظره اليمين المتطرف في إسرائيل، وانما نحن نشهد ربما لأول مرة انتقالا او تحولا عربيا الى الهجوم المعاكس واتخاذ زمام المبادرة، والانضمام الى الاستراتيجية التي يخوضها الرئيس الفلسطيني وحيدا منذ العام 2009 بنجاح مستمر وملموس، كان من نتيجته العزلة الإسرائيلية الحالية على المسرح الدولي وإحداث تغير واضح على مستوى البيئة الاستراتيجية للصراع لصالح الفلسطينيين. وان القمة العربية في الأردن والروح العروبية الفلسطينية التي تخللتها، هي نفسها كانت ذروة هذه النجاحات المتواصلة لاستراتيجية الرجل القائمة عل العزل والتطويق.

ها هو صوت كما لو ان التاريخ يستجلي أمجاد ملوك العرب القدماء من على حدود الطوق الجغرافي القديم، قد سُمع كما لو انه يأتي من زمن عربي قديم، وهذا هو الخطاب القاطع للملك عبد الله بن الحسين العربي الهاشمي، كما لو ان الاذن الإسرائيلية لم تسمعه منذ زمن طويل، وكما لو انه يعلن نهاية حقبة سياسية وبداية عهد جديد، يقول فيه الملك لن يكون فيه الفلسطينيون وحدهم تستفرد بهم إسرائيل وانه قد طفح الكيل.

كان الخطاب موجزاً ولكنه واضح وحاسم: من دون هذا يا إسرائيل لا سلام ولا استقرار ولا امن. جملة عرفات التاريخية. من دون هذا والقدس هي شرفنا وعهدنا ووديعتنا، والكلمة «سوف نتصدى». وهل هذا إنذار بالتلويح من جانب الملك بلعب ورقة السلام مع الأردن اذا اضطر الأمر؟. 

وكان هذا خطاباً افتتاحياً وقوياً يليق بحضور هذا العدد الكبير من مشاركة الملوك العرب والزعماء على هذه الحدود الأقرب الى فلسطين، وقال الملك وكأنه يستحضر جده عبد الله الأول وأباه، ان الأردن هو الأقرب الى فلسطين. وكان على الرئيس أبو مازن ان يشكر العاهل الأردني ليس لقوة الموقف والكلام والرسالة، ولكن لهذا الجهد الذي لم يتوقف او يكل من اجل سد ثغرة «دفرسوار» السياسي، وعقد اللقاء الثلاثي الأردني والمصري والفلسطيني قبيل الذهاب الى واشنطن بموقف موحد.

هل انتهى اذن كعب أخيل العربي الذي طالما حاول نتنياهو ان يقنع نفسه بانه يمكن الرهان عليه عند اللحظة الحاسمة؟ ام ان الاستعداد والجاهزية عند هذه اللحظة الحاسمة كان استعدادا وجاهزية فلسطينية؟. ونعرف اليوم ان الاتفاق او الصفقة الكبرى او التاريخية هي على وشك الإعلان عن إتمامها او التوصل اليها، إزاء العزم والإصرار الواضح من الرئيس الأميركي الجديد تجاوز تردد أسلافه وخذلانهم، وان مقدمات ذلك بدأت بعد يوم من انتهاء القمة العربية بالكلمات أيضاً. 

الكلمات التي بدأت تقال بوضوح اكثر المرة بعد المرة، بعيد الإعلان عن بناء المستوطنة الجديدة بديلا عن مستوطنة عامونا، عن وقف الاستيطان الذي يعيق عملية السلام، وهذه المرة لم يقف ترامب صامتا إزاء ما يظهر الآن انه تحدٍ له او استفزاز كنوع من الامتحان، بعد ان اعلن البيت الأبيض انه كبح جماح نتنياهو عن مواصلة هذا الاستيطان. واننا سوف نرى بعد الآن سياسة إسرائيلية جديدة تتوقف عن هذا الاستيطان. 

وبرأينا فإنه بخلاف الانطباعات السائدة حول أهمية القمة الأخيرة لصد محاولات محتملة من جانب إدارة ترامب للانحياز الى إسرائيل، فإنه الى جانب هذا الهدف او المقترب فإن ثبات وصلابة وقوة الموقف العربي وإظهار الإرادة العربية الجماعية، التي كانت واضحة في دعم المطالب الفلسطينية والوقوف وراءها في القمة، يقدم الدعم والتشجيع لإدارة ترامب في الإصرار على تقديم خطته للسلام او ما يسميها الصفقة الكبرى، من موقع اكثر حيادية وانصافاً للمظلومية الفلسطينية. والشيء نفسه ينطبق على الحليف الأوروبي الذي لا شك انه كان مرتاحاً لمخرجات هذه القمة.