محمد رشيد
واقع حال القضية الفلسطينية ، لا يحتمل المزيد من الالاعيب الفردية الغبية ، ولا اوضاع الشعب تحتمل مغامرات سياسية ، حمقاء ومراهقة ، تفتقد العمق والتدقيق ، تطبخ في الخفاء ، بعيدا عن معرفة الشعب وارادته ، وكلها ترتب وفق أولوية واحدة ، وحيدة ، أولوية تهدف لإنقاذ محمود عباس وأسرته من مأزق الفساد المالي الكبير ، ومن أوحال الفشل المتواصل منذ أعوام ثمانية .
مع اقتراب موعد " غزوة " نيويورك الثانية خاصة ، تتكشف خبايا كثيرة ، وتفضح مصالح ذاتية ، فردية ، خبايا ومصالح ، تحتم تغير اتجاه المعركة وعناوينها الكبرى ، فمن جهة ، مطلوب ما يغطي " عورة " عباس في الجبهة الداخلية ، فلا بد من زفة كبرى تشغل الشعب ، وتستنزف عواطفه ، وتفرغ شحنات الغضب الساحق ، غضب قادر على اشعال الارض تحت اقدام عباس واصدقائه المحتلين ، وعن طريق الخداع والتضليل ، يعتقد عباس ان بإمكانه إقناع الشعب بنصر وهمي قد تحقق .
على الجهة الاخرى ، الجبهة الاسرائيلية والدولية ، فمصالح وسلامة محمود عباس الشخصية ، وتجنب تعرضه لملاحقات قانونية ، في قضايا الفساد ، وسرقة أموال المانحين ، ودافعي الضرائب الفلسطينيين ، أجبرته على تقديم حزمة تنازلات جوهرية ، مسبقة ، فورية ، ولمن يلزم ، وليس ادل على ذلك من الكلام الفاضح لعباس نفسه ، مع العديد من الزوار الأوروبيين ، مفوضين ورؤساء وسفراء ، وإعلانه عن عودة فورية ، وبلا أية شروط ، الى طاولة المفاوضات مع نتنياهو والحكومة الاسرائيلية بعد " غزوة " نيويورك مباشرة ، وذلك ما قاله شخصيا للسيدة كاثرين اشتون ، وابلغه للرئيس البلغاري ، وكذلك لممثل الاتحاد الاوروبي .
عباس اعلن ايضا لزواره بان " غزوته " تخدم عملية السلام ، وتسهل العودة الى المفاوضات بسرعة ، وان الامور ستكون ايسر كثيرا بعد إطاحته المعلنة ، بإعلان الاستقلال الفلسطيني الذي تأسس عام 1989 على الإجماع الوطني حول القرار الدولي 181 ، وإلقاء حق العودة والقرار 194 من نافذة مستقبل الشعب وحقوقه ، وإيجاز الحق الفلسطيني بملف نزاع حدودي بين دولتين جارتين ، تجمعهما المصالح ، وتفرقهما خلافات ترسيم وإقرار الحدود .
كبير المفاوضين الفلسطينيين ، الدكتور صائب عريقات ، أدلى من جانبه امس ،بتصريحات خطيرة للغاية ، لكنها تستحق دراسة متأنية ، وتلك التصريحات يجب ان تقرأ تحت كشافين ..الاول ، انها محاولة جديرة بالاحترام من الدكتور عريقات بمكاشفة الشعب عن الأثمان الباهظة لخطوة عباس ، واعداد الرأي العام الفلسطيني لمعرفة " هول " ما هو قادم ، وقد يكون من بين نتائجه انهيار السلطة الفلسطينية ، وتعريض مصالح 4 ملايين فلسطيني لخطر كبير .
والثاني ، فان الدكتور عريقات ، يكون قد فعل ذلك ، لانه لا ينوي الهروب من فلسطين ، تحت جنح " غزوة " نيويورك الثانية ، ولا يخطط لنفسه نفس المآل الذي اختاره عباس ، بعد ان أسس له ولأسرته كل الأدوات المطلوبة ، وكل وسائل العز والرغد في العاصمة الاردنية ، و" دكن " في حساباته البنكية مئات الملايين من الدولارات ، وصائب يعلم انه باق هناك ، مفاوضا كبيرا ، او متقاعدا يدرس في الجامعة ويكتب مذكراته .
سواء كان الدكتور عريقات يهدف الى رفع درجة جاهزية الشعب لمواجهة ما هو قادم ، او كان يحاول تنبيه الشعب ومكاشفته ، فان تصريحاته ، وعلى خطورتها ، جاءت متأخرة ، ولم تترك ما يكفي من وقت ليقول الشعب ما يريد ، اما ان ظن البعض بان غياب قرار الشعب يمكن تعويضه بمظاهرات تأييد " عفوية منظمة" ، ومدفوعة الأجر ، فتلك لعبة لفظها الفلسطينيون منذ عقود من الزمان
تصريحات الدكتور عريقات تقول ، بان الشعب الفلسطيني ، على وشك الدخول في حرب مع الولايات المتحدة الامريكية ، وعلى الشعب الاستعداد لتقبل سلسلة التدابير والإجراءات العقابية الامريكية ، وان واشنطن سوف توسع المجال الحيوي لحربها مع الفلسطينيين الى كل مكان في العالم ، ويؤكد ان الاتفاقات قد تلغى ، والاستيطان قد يتسارع ، والمال سيتوقف ، لكنه ، وإنصافا ، أيضاً يعدد الخطوات الفلسطينية التصعيدية ، ردا على تلك الإجراءات الامريكية المحتملة.
لكن الدكتور عريقات ، اخطأ في شيء ، وأخفى شيئين ، ولا شك عندي بانه اخطأ في التوقيت ، ان كانت تصريحاته موجهة في طرف منها الى واشنطن ، فالرئيس باراك أوباما لم يملك امس الوقت الكافي للتعامل مع اعصارين متوازيين ، إعصار ساندي ، وإعصار عباس ، وبالتالي رسالة الدكتور صائب التحذيرية " طاشت " امام زخم وعنف إعصار ساندي الذي " ربما " يكون قد اجهز تماماً على رئاسة أوباما التالية .
اما ما أخفاه الدكتور عريقات عن الشعب ، وهو أخفى ما تعرفه امريكا واسرائيل وأوروبا تماماً ، فهي تلك الوعود التي حرص عباس على إرسالها عبر اكثر من خمس قنوات ، ليضمن وصولها ، وعود تسلمتها تل أبيب وواشنطن ، ورفضتها ، طبعا بعد ان ضمنتها في جيبها ، والامر الاخر الذي أخفاه الدكتور ، فلا يلام عليه ، لانه لا يعرفه ، وهو امر اكبر كثيرا من ثقة محمود عباس بالدكتور ، ويتطلب ان يصبح صائب ، بأهمية طارق عباس وانتصار ابو عمارة وكريم شحادة ، وأركان حرب عباس الاخرين ، كي يعرف خطط ووسائل هروب عباس !!
نعم ، هناك خطة هروب كاملة لمحمود عباس ، اعدت بحرص شديد على امتداد اكثر من عام ، وتطلبت تغير ملكيات ومرجعيات كثيرة ، من بينها ملكية ومرجعية صندوق الاستثمار الفلسطيني ، ومرجعية تحديد اولويات مشاريع المانحين ، مثال ما حدث مع المنحة الروسية ، واخفاء عشرات الملايين العائدة لحركة فتح ، عن الابصار ، وعن البطون الجائعة ، وسرقة منظمة لأموال دافعي الضرائب والمانحين العرب والدوليين .
الا ان ذلك الهروب يبقى بلا معنى ، ان لم يسبقه انهيار السلطة الفلسطينية تماما ، او هكذا يعتقد محمود عباس ، للقضاء مسبقا على " المطالب " وراء المال المسروق او المهدور ، وهو هروب خطر ان لم يحتفظ عباس بحصانتي رئاسة منظمة التحرير وحركة فتح ، وتلك خطة عباس البديلة ان رفضت عروضه وتنازلاته الجديدة بعد " غزوة " نيويورك الثانية ، وتلك خطة مكشوفة تطلبت نقل كامل اسرة عباس الى الاردن ، و " توطينهم " هناك حتى من الناحية القانونية كمواطنين .
تبقى بعض الأسئلة معلقة في الهواء ، هل سقط حلم عباس في العودة الى الأحضان ، والى ما اعتاد عليه في " جحيم من القبل " ، مع رؤساء حكومات اسرائيل ووزراء دفاعها ؟ وهل سينجح عباس في الهروب بكل ذلك المال ، بعد ان يلقي بشعب وقضية الى السنة لهب المجهول ، و قد " حلب " هو و أولاده " البقرة " الى اخر قطرة ؟ .
وهل سيترك عباس للشعب " قاذوراته " ، لتصبح انتصار ابو عمارة ، ويصبح كريم شحادة وطيب عبد الرحيم ورفيق نتشة ونضال ابو دخان ، شواهد قبر مرحلته ، ام ان القوانين الفلسطينية تمنع دفن النفايات الخطرة ، وبقايا سموم الخيانة في الاراضي الفلسطينية ؟
وهل يعتقد عباس ان الشعب او المانحين سيتركونه وشانه ، ام انه اصبح الان مكشوفا تماماً لملاحقات قضائية ومالية ، وطنية ودولية ، يكون خلالها الدكتور سلام فياض مطالبا بمكاشفات خطيرة وكبيرة في انتهاكات عباس المالية ، بعد ان صدق الشعب على قرار الزعيم الراحل تكليفه الدكتور فياض أمانة المال العام الفلسطيني ؟
قريبا سيصبح عباس ، هدفا لملاحقات جنائية كثيرة لمشاركته في جرائم قتل عمد ، ومن بينها قتل الزعيم الخالد ياسر عرفات ، وقتل الابرياء من أطفال ونساء ورجال غزة ، وتلك أمور تبدو اليوم معلقة في الهواء ، لكنها كلها ، واكثر ، مصابيح حمراء مضيئة على لوحة الشعب ، والشعب يمهل ولا يهمل ، نزولا عند أحكام العزيز الحكيم .