أخر الأخبار
وثيقة حماس: مستجد نحو المســـار الحرج
وثيقة حماس: مستجد نحو المســـار الحرج

وثيقة حماس: مستجد نحو المســـار الحرج  
حمزة ديب/ باحث في الشأن الإستراتيجي
أصدرت حماس في إطار ما تدعي أنه (تطور طبيعي) في مسيرتها السياسية " وثيقة المبادئ والسياسات العامة" في محاولة منها إلى التكيف مع مستجدات ومتطلبات البيئة المحيطة، ويعتبر البعض أن هذه الوثيقة تشكل قنطرة بين الرؤية الثابتة والرؤية المتحولة التي تسعى قيادة حماس الحالية إلى خلق توازن بينهما من خلال الإنتقائية المقصودة في تركيب وتوظيف النصوص للتعبير عن نسختها البراجماتية الجديدة.
وضمن هذا السياق هل ما جاء في الوثيقة اعتمد على رؤية متبصرة تمنح حماس القدرة على تحديد مساراتها وأولوياتها، وترشيد الممارسة السياسية والعسكرية صوب وجهة إستراتيجية تقصدها، أم جاءت الوثيقة استجابة لمتطلبات تقتضيها المصلحة ورغبات الآخرين للخروج من المأزق الراهن ليس إلا.
الوثيقة تُظهر أن قيادة حماس تخشى التحول، فمكتنزات العقل الجمعي الحمساوي أعادت إنتاج الثابت صراحةً، وغلفت التنازل بصيغة مضمرة واشترطته بالتوافق الوطني وأحاطته بالرفض.....، ولم يطرأ تحولاً سوى في شكل الخطاب، حيث استبدل الخطاب الديني في الميثاق بخطاب سياسي في الوثيقة، وهذا له مصوغاته العصرية التي تجيز ذلك لقبول دولي.
مضمون الوثيقة لا يشير بأن حماس تمتلك رؤية جديدة أو ملامح لسياسة إستراتيجية متمكنة لإدارة الصراع، بل في رأي كثيريين هي نقل آلي لتجربة "برنامج النقاط العشر"، والدلالة في ذلك أن الوثيقة لم تنقل الكرة في ملعب العدو الإسرائيلي، بل وضعت حماس في مأزق إستراتيجي أمام مطالبات متدحرجة لمزيد من التنازلات، هل تستطيع حماس المضي بها أم أنها ستنكص على عقبيها. حماس بهذه الكيفية التي عليها اليوم لا تستطيع استنبات رؤية سياسية ناضجة لإنهاء الصراع تكون مقنعة للأطراف الفاعلة، فالقدرة على استحضار ثنائية الثبات والتنازل غير متوفرة، فشرط القبول الدولي ما زال بعيداً، والثقة الشعبية مبعثرة، وقوة حماس العسكرية غير مؤهلة لإجبارأو فرض واقع جديد.
نصوص الوثيقة مـــآزق وفُـــرص.
أولاً: موافقة حماس دولة على حدود الرابع من حزيران1967م.
في ميثاق حماس 1988م جاء النص في مادة (11): (( تعتقد حماس أن فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لايصح التفريط بها أو بجزء منها،.... ولا تملك دولة أوملك أو رئيس أو منظمة، ....... أما رقبة الأرض نفس الأرض فوقف على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، وامتلاك أصحابها امتلاك منفعة فقط، وهذا الوقف باق ما بقيت السماوات والأرض، وأي تصرف مخالف لشريعة الإسلام هذه بالنسبة لفلسطين فهو تصرف باطل مردود على أصحابه)).
في وثيقة 2017م لم يرد أي نص أن فلسطين أرض وقف اسلامي، حتى في محور أرضُ فلسطين وما تضمنه بند(2) هو تعريف بهوية أرض فلسطين يستثني أنها أرض وقف إسلامي، وبحسب ماجاء في نص بند (20) من الوثيقة أبدت حماس موافقة مشروطة دولة على حدود حزيران 1967م ضمن صيغة توافقية وطنية مشتركة ، وتم إحاطة هذه الموافقة، ببنود تبين عدمية قرارات الأمم المتحدة في بند (18) ، ورفض إتفاقات أوسلو في بند(21)، ورفض الإتفاقات ومبادرات التسوية في بند (22) ، وبند (10) حول القدس ورفض التفريط بأي جزء منها. مجمل الصيغ الرافضة في البنود المذكورة تعارض ما جاء في بند (20) الموافقة على دولة على حدود الرابع من حزيران 1967م ضمن صيغة توافقية وطنية مشتركة.
تجدر الإشارة بأن موافقة حماس على دولة على حدود حزيران 1967م هو محصلة لمواقف متناثرة منذ عهد الشيخ ياسين، والجديد هو توثيق التنازل في وثيقة رسمية والذي يعد إلتزام سياسي، يمنح حماس قبول دولي مبدأي، .... وحتى يستوي أمر قبولها ستكون حماس مطالبة بإلغاء ميثاق 1988م أوبعض نصوصه، لأن به نصوص تقيد التصرف بأرض فلسطين حتى من قبل شعب فلسطين، بإعتبارها أرض وقف إسلامي راجع المادة (11) ميثاق 1988م، ووكذلك سيطلب منها تعديل البنود (22،21،19،18،10)، من وثيقة 2017م، لأنه كيف تريد دولة على حدود الرابع من حزيران، وأنت ترفض القرارات الدولية التي تدعم وتمهد الطريق لذلك، ولن يقف المأزق عند هذا الحد وسيطالبها العالم بالمزيد.
بخلاف مأزق التنازلات ستواجه حماس أزمات داخلية ومزوادات أصولية لأن هذا الموقف ينافي الإلتزام العقدي لحركة حماس وهو أن فلسطين أرض وقف إسلامي، وبالتالي يعد موقفها الجديد باطلاً مردود على من قاموا بإصدار الوثيقة، والذي سيخرجها امام نظراءها في الحركات الإسلامية الأصولية من دائرة الإسلام، وسيوقعها في أزمة داخلية أمام المتشددين من قادتها وأعضاؤها، قد ينتج عنه انقسامات، وهروب بإتجاه المنظمات المتطرفة.
ثانياً: العلاقة مع حركة الأخوان المسلمين.
استبعدت حماس في وثيقة 2017م أي ذكر للإخوان المسلمين، بخلاف ميثاق 1988م والذي ورد به أكثر من مادة ونص تؤكد حماس فيه ارتباطها الوثيق بالإخوان المسلمين، المادة (2) التى تنص على أن ((حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين، وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمى، وهى كبرى الحركات الإسلامية فى العصر الحديث)). والمادة (7) التى تنص على (( حركة المقاومة الإسلامية هى حلقة من حلقات الجهاد فى مواجهة الغزوة الصهيونية وتتصل وترتبط بإطلاقة الشهيد عز الدين القسام وإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين عام 1936، وتمضى ولتتصل وترتبط بحلقة أخرى تضم جهاد الفلسطينين وجهود وجهاد الإخوان المسلمين فى حرب 1948م، والعمليات الجهادية للإخوان المسلمين عام 1968م وما بعده ))،.....وفي مؤتمر إعلان وثيقة المبادئ قال مشعل في تعقيبه على أسئلة الصحافة أن حماس مازالت تنتمي فكرياً لحركة الأخوان المسلمين، ولكنها مستقلة تنظيمياً عنهم.،
قول المتابعين وأصحاب المعرفة أن إعلان الإنفصال عن الأخوان شكلي، وجاء بناءً على تفاهمات مع التنظيم الدولي قبل إعلان الوثيقة تخدم الطرفين، وأنه بإمكان الطرفين إعادة هندسة علاقة خفية بينهما،.... أمام هذا التوجس كيف لحماس أن تقنع الآخرين:
• بقطع علاقاتها التنظيمية بالتنظيم الدولي للأخوان المسلمين، وما مصير الأنشطة المشتركة بين حماس والتنظيم الدولي للأخوان؟ وموقفها من تلقي الدعم والتمويل من قبل التنظيم الدولي للإخوان والذي يمثل تاريخياً رابط تنظيمي بينهما؟.
• عدم العبث في الشأن العربي وخاصةً المصري، ومدى جاهزية تجاوب حماس مع مطالب الدولة المصرية، بتسليم المطلوبين لديها في قضايا إرهاب، وتأكيدا لإلتزامها بـ «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وكما ترفض الدخول في النزاعات والصراعات بينها» وفق نص بند (37) من وثيقة 2017م، وهل تقبل حماس في المستقبل تقديم تفسير عن أي حالة تقارب أو مشاركة مع الأخوان.
• هل المواد والنصوص التي وردت في ميثاق 1988م بشأن العلاقة بالأخوان المسلمين، أصبحت في حكم المنسوخ، فوثيقة 2017م المكتوبة سكتت عنها، لم تتعرض لها تأكيداً أو نفياً.
ثالثاً: دخول منظمة منظمة التحرير الفلسطينية.
جاء في ميثاق 88م مادة(27) أن (( منظمة التحرير أقرب ما يكون إلى حماس ففيها الأب والأخ والصديق والقريب،..... ولكنها تتبني فكرة الدولة العلمانية، .... ومع تقديرنا لدورها في الصراع العربي الإسرائيلي، وما يمكن أن تتطور عليه، ... لا يمكننا أن نستبدل إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية لنتينى الفكرة العلمانية، فإسلامية فلسطين جزء من ديننا ..... ويوم تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الإسلام كمنهج حياة ، فنحن جنودها ، ووقود نارها التي تحرق الأعداء....)) وفي وثيقة 2017م بند (29) منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليها، مع ضرورة العمل علي تطويرها وإعادة بناؤها على أسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية.
الإستشكال الجوهري لحماس في ميثاق 88م كان في تبني المنظمة فكرة الدولة العلمانية، وفي وثائق التفاهم الوطني التي تلت صدور الميثاق، لم تعد فكرة الدولة العلمانية استشكالاً، وجاءت وثيقة 2017م لتؤكد حماس إعترافها بالمنظمة كإطار وطني للشعب الفلسطيني مع ضرورة تطويره ليستوعب الكل الوطني، علماً في الوثيقتين لم تذكر حماس وحدانية التمثيل، ولكنها تعترف ضمنياً بذلك في وثيقة 2017م وأعقبته بمطالب كشروط دخولها للمنظمة، .... رغم أن هذا الإعتراف جاء بعد محاولات مضنية لحماس وأخرين لخلق كيانات أطر قيادية بديلة لمنظمة التحرير بمساعدة دول إقليمية باءت جميعها بالفشل، أبرزها الإعلان عن تشكيل إطار قيادي من قطر (مؤتمرمشعل وشلح أبان حرب 2008م على غزة)، حماس أصبحت تدرك أنه لا بديل عن منظمة التحرير كمثل للشعب الفلسطيني، أمام هذا الموقف مطلوب وطنياً إتاحة الفرصة لحماس دخول منظمة التحرير، وخصوصاً موافقة حماس على دولة على حدود الرابع من حزيران يمهد الطريق للتقارب في الموقف الساسي بين فتح وحماس، وهو يمثل فرصة تاريخية للإتفاق على برنامج سياسي وطني موحد، من خلال منظمة التحرير كمرجعية وطنية يشارك بها الكل الفلسطيني.
رابعاً: نظم العلاقات الفلسطينية في ضوء نصوص الوثيقة.
في سياق العلاقات الفلسطينية: ميثاق 88م وضمن نص مادة (25) ((..... تطمئن كل الإتجاهات الوطنية العاملة على الساحة الفلسطينية، من أجل تحرير فلسطين، بأنها لها سند وعون، ولن تكون إلا كذلك قولاً وعملاً حاضراً ومستقبلاً، تجمع ولا تفرق، تصون ولا تبدد، توحد ولاتجزئ، تثمن كل كلمةٍ طيبة، وجهد مخلص ومساعٍ حميدة، تغلق الباب في وجه الخلافات الجانبية، ولا تصغي للشائعات والأقوال المغرضة ، مع إدراكها لحق الدفاع عن النفس، وكل ما يتعارض أو يتناقض مع هذه التوجهات فهو مكذوب من الأعداء، أو السائرين في ركابهم بهدف البلبلة وشق الصفوف والتلهي بأمور جانبية. وفي وثيقة 2017م في بند(28) ((تؤمن حماس وتتمسك بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيارالديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر وإعتماد الحوار بما يعزز وحدة الصف والعمل المشترك، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية وتطلعات الشعب الفلسطيني))
أمام هذه النصوص والمبادئ العصرية التي تقدمها حماس، في نظم العلاقة الفلسطينية، ومقارنة ذلك بمفارقة القول والعمل، وتضاد النص والممارسة:مطلوب من حماس ما يلي:
1. تأكيد إلتزامها بما قالت من خلال إجراءات ناجزة إتساقاَ مع المبادئ التي جاءت في وثيقتها، وتعبيراً عن رغبتها الجدية بذلك؟
2. توافق على تشكيل هيئة وطنية لحماية الحريات وصون العلاقات الفلسطينية، وصياغة ميثاق شرف وطني ووضع الآليات الوطنية الملائمة للإلتزام والتطبيق؟ وتطوير منظومة رقيب وطني لصون الحياة السياسية من التعديات والإقتتال، وتجريم المعتدي.
3. تبادر حماس بإنهاء الإنقسام الفلسطيني، ومد جسور بناء الثقة مع الكل الفلسطيني، وإتاحة الفرصة للشراكة الوطنية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي.
خامساً: إدارة الصراع والمقاومة من حيث التصعيد والتهدئة.
ما جاء في بند (26) ترفض حماس المساس بالمقاومة وسلاحها، وتؤكد على حق شعبنا في تطوير وسائل المقاومة وآلياتها وإن إدارة المقاومة من حيث التصعيد أو التهدئة، أو من حيث تنوع الوسائل والأساليب، يندرج كله ضمن عملية إدارة الصراع وليس على حساب مبدأ المقاومة.
الحرب أخطر الخيارات أثراً على مصير الشعوب، فخيار المفاوضات لايقارن مطلقاً بخيار الحرب، لأن ما يترتب عليه من خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات يجعله آخر الخيارات التى يلجأ إليها القادة، وتاريخ وتجارب الأمم شاهدة، فحفظ النفس وحفظ المال من مقاصد الشريعة الخمسة، وكذلك القانون الدولي الإنساني، وإتفاقيات لاهاي وجنيف والبروتوكولات المكملة، إنما وجدت لتقييد قرار الحرب حفظاً للأرواح والممتلكات....، مع تأكيدنا على حقنا في الكفاح والمقاومة المسلحة لإسترداد حقوقنا، لكـن إدارة الصراع المسلح مسؤولية وطنية، تستدعي شرط التوافق الوطني، فويلات حروب غزة ما زالت حاضرة، وإن محاولة حماس من خلال البند (26) تصويغ التفرد بقرار الحرب ينافي المنطق والحق الإنساني، وإن إستخلاص العبر وتقويم الحروب الثلاثة يجب أن يتم وفق ثلاث مستويات: العمليات الحربية، التكتيك الحربي، إستراتيجية الحرب، في ضوء النتائج الكلية، بعيداً عن التجزئة وبروبقندا الوهم، وليقتنع الشعب الفلسطيني بقدرة حماس إدارة المقاومة والصراع المسلح منفردة، يتطلب من قيادة حماس السياسية والعسكرية أن تخبره عن الوضع والهدف الإستراتيجي لكل من حروب غزة 2008م،2012م، 2014م، وفق القوانين الخاصة بإستراتيجية الحرب ككل،... وبمنظور إستراتيجي أدعو قيادة حماس الآن تصور الوضع لو امتنعت دول العالم عن الإعمار والتعويض، وتقدم لنا رؤية نظرية (سيناريو لإدارة أزمة الإعمار) في ظل إنعدام الموارد، حتى يطمئن الشعب الفلسطيني، ويستعيد ثقته بقدرتها على إدارة الصراع.
حماس في هذه الوثيقة لم تؤصل أركان نسخة فريدة، بل أمتطت راحلة من سبقها وسلكت نفس المسار الحرج، ولم تدخل إلى كنه المُشكل على قاعدة الإدراك العميق لنقاط القوة والضعف والفرص والمهددات لتقدم نسخة مغايرة لإدارة الصراع بعيداً عن سلوك طريق التسوية ومسلسل التنازلات المقيت،.... وإن عطالة منطق الإستحواذ والتفرد بالرؤية والفعل، أدت بالشعب الفلسطيني إلى أزمات أعمق وأدهى من أي وقت مضى، وأن استمرار الإنحدار وتمزق النسيج والتآكل في الجسد الفلسطيني، يوحي بما لا يدع مجالاً للشك بسراب واقع التفرد في إدارة الصراع، وأن قادة الشعب الفلسطيني مجتمعون - فتح وحماس والآخرين - مسؤولون أمام الشعب الفلسطيني عن هذا الخراب، ما يلزمهم التوقف وإعادة التفكير للخروج من ضيق العُصبوية والمصلحة الحزبية إلى رحابة الوطن بمفهومه الوحدوي القائم على حقوق المواطنة والإندماج السياسي والوطني، والإجماع والتوافق على وصفة وطنية خالصة لإدارة الصراع، تُستجمع فيها كافة الطاقات والقوى، وتُطور من خلالها وسائل وآليات وأساليب وأشكال المقاومة،.... قد تطول الطريق إلى هذا الهدف، ولكنها وحدها السبيل لتحرير الوطن وبناء الدولة، وكف أخطار الإنقسام والتفكك.