

اغتيال الشهيد فقهاء: منظــــــور أمني قانونـي . "2"
بقلم : حمـــزة ديـــــب
حالة الطوارئ التي أعقبت حادث الاغتيال، والإجراءات التي قامت بها أجهزة أمن حماس، من استدعاء وتوقيف عدد من المواطنين، والتحقيق معهم على ذمة القضية، ومنع السفر، ومضايقات في الحركة، ومنع الصيد، وتقييد العمل في المزارع المحاذية للحدود، كل ذلك بدواعي ملاحقة الجناة وكشفهم، ما ذنب المواطنين الأبرياء التعرض للإهانة والضرر؟!! وماذا لواستطالت فترة البحث عن الجناة ؟!! وهل يعقل حجز عدد من المواطنين لأيام طويلة، والتحقيق معهم على ذمة القضية، لمجرد ظهورهم أو بمن يشبههم في تسجيل الكاميرات المحيطة ؟!! أليس هذا اعتداءً صارخ على حقوق الناس وكرامتهم ؟!! وهل يقبل أيٍ كان من حماس خـــدش ثقتــه وكرامته الوطنية لمجرد ظهوره في المكان ؟!!
وما أشاد به السيد هنية من قدرة وحسن أداء أجهزة الأمن، نشير بأن حسن الأداء في العمل الأمني يقاس معيارياً بمدى التزام جهات إنفاذ القانون باحترام حقوق الإنسان، وباحترافية إنجاز المهام دون تجاوز القانون، وإلا أعتبرت أعمال خارجة يحاسب عليها القانون، وهل يكفي اعتذار أبو العبد هنية عن التجاوزات والمضايقات التي تعرض لها المواطنين؟ وافترض سلفاً في قوله تَفهُم المواطنين للإجراءات التي قاموا بها بدعوى كشف الجناة، وهو لايدرك حجم الضرر الذي وقع، وهل يعرف أن الاعتذار في الفقه القانوني والسياسي يترتب عليه التعويض وجبر الضرر للمتضررين والمُعتدى عليهم؟ ما أشبه اليوم بالأمس، حين زج شعب غزة باكمله، بحروب مدمرة، وتعرضت فئة كبيرة من المناضلين للإقامات الجبرية وإطلاق النار بدواعي أمن المقاومة، إن قضايا القتل والتعذيب، تُلقي على مرتكبيها مسؤولية جنائية لا تسقط بالتقادم الزمني.
يـــا قادة الأمن والمقاومة: الأمن ليس أن ترهب الناس، فهو عمل قائم على أساس منهجي لحماية حقوق الناس ومصالحهم ، ولا يمس كرامتهم، وإن أمنكم بمنطقكم الفئوي لن يتحقق كما ينبغي، وسيمضي في تراجع، لأن الأزمات لا تحل بمعالجة نتائجها، وستولد أخرى إن بقيت أسبابها التكوينية دون علاج. وإن الأزمة المستعصية تتمثل في الانقسام وآثارهُ، الذي نتج عنه تصدع في جُدر حماية الجبهة الداخلية، وتمزق غير مسبوق في النسيج المجتمعي والسياسي، وخلل بنيوي ووظيفي في أجهزة الأمن، عَطّل دورها الوطني وحصره في أجندة خاصة، تراكمت على أثره أزمات ومشكلات أمنية لاحصر لها، وهي في تزايد مستمر. إن إمكانية تحقيقكم الأمن بمفهومه الشامل بعيدة المنال، وكافة الحلول والمعالجات الأمنية تبقى مبتورة، مالم ينتهي الانقسام، ويؤسس لميثاق تعاقدي جديد على مستوى الأحزاب والنخب السياسية، يتيح الشراكة وقبول الآخـــر، ويسمح بالتداول الديمقراطي للسلطة، ويهيئ مناخ ايجابي لبناء دولة القانون والمؤسسات.
العـدالــة الثوريـة التي أكد عليها السيد أبو العبد هنية في المؤتمر الصحفي - تجدر الإشارة - أن هذا المفهوم يستخدم لحماية الثورات ومقدرات الشعوب في زمن الثورة، وجاء ذكرها بذريعة تسريع إجراءات القضاء العسكري، وتشكيل محكمة الميدان، للقصاص العاجل من الجناة المجرمين، استناداً للتشريعات الجزائية لمنظمة التحرير لعام 1979م، بعيداً عن الإجراءات النظامية لمحكمة أمن الدولة العليا، وما تحتاج من تصديق رئاسي على تنفيذ الأحكام.
لـــكن (قضية اغتيال الشهيد فقهاء) ليست كسابقاتها، فنتائج التحقيق، والخلفية الحزبية والإجرامية للجاني الرئيسي ( أ ل)، وتورطه في أحداث دموية فترة الانقلاب وما بعدها، لايجوز بموجب نص المادة (88) من قانون العقوبات الثوري إغلاق ملف القضية إلا بعد كشف ملابسات الجرائم السابقة، وإحالة الجناة للقضاء، وإن السرعة بإنهاء القضية ينافي منطق العدالة الثورية الناجزة، وهو إجراء مُسيّس يُقصد منه التستر على الجناة الآخرين، ويُوقِع على من تستر مسؤولية جنائية، ويؤكد بما لايدع مجالاً للشك عدم نزاهة القضاء في غزة.
بعيداً عن تفعيل أوتعطيل النصوص والقوانين لمآرب جهوية، وضمن سياق العدالة الثورية الناجزة، وللخروج من المأزق الإستراتيجي الراهن الذي تعيشه الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، هل يوافق المكتب السياسي لحماس الاحتكام للعدالة الثورية الإنتقالية من خلال التوافق الوطني على تشكيل محكمة ثورية تحت مظلة منظمة التحرير، والاحتكام لقضائها الثوري في إنهاء قضية الإنقسام وكافة القضايا الأخرى المختلف عليها ؟ ما من شأنه حماية الثورة وإستعادة جذوتها، وحماية الشعب الفلسطيني ومقدراته، وإزالة كل ما يعرضهما للخطر، كمدخل حيوي للتوافق الوطني على إدارة الصراع سبيلاً لإستعادة الحقوق.
***
يتبع قريباً الجزء الثالث