أخر الأخبار
تفاهمات القاهرة والأمل الفلسطيني
تفاهمات القاهرة والأمل الفلسطيني

تمر القضية الفلسطينية في الآونة الأخيرة بمنعطف مفصلي وتاريخي على السواء، لاسيما بعد التوصل منذ بضعة أسابيع، إلى بعض نقاط التفاهمات في القاهرة في أغسطس الماضي. ويستمد الحدث قوته، من ضرورة كل محاولات حلحلة القضية الفلسطينية ليس فقط على مستوى التماسك الداخلي للصف الفلسطيني الذي يشهد تآكلاً مستمراً قضى على كل آليات وحدة وقوة الموقف الفلسطيني أمام المشروع الإسرائيلي الاستيطاني.

وتتضح أهمية تفاهمات القاهرة، لكونها ضربت الحملات التي تعرضت لها من طرف جملة من المنابر العدائية لكل مشروع وطني فلسطيني في المنطقة، والتي تتحدث عن «مصالح لا مصالحة». بل بلغ الأمر ببعض الأقلام المأجورة من منابر مؤيدة للتنظيم الدولي، إلى الحديث فقط عن سلبيات الاتفاق، متجاوزة كل إيجابياته، خاصة أنها تمس المستقبل الفلسطيني برمته، وقد استعانت هذه الأقلام بحبر السياسية «الإخوانية» عبر أدبيات «السياسة الشرعية»، لكي تلتفت حول مضامين «تفاهمات القاهرة»، فتركز الضوء على الزعم بأن «مخاطر» المبادرة «تمس جوهر القضية الفلسطينية، وهذه الصفقة تقضي تماماً على فرص استعادة الوحدة السياسية والجغرافية بين دفتي الوطن الفلسطيني وعنصري الأمة، ما يجعل غزة كياناً مستقلاً».

 بيد أن الهدف السامي لاتفاق السنوار/ دحلان يُقوض هذا الخطاب النقدي «الإخواني»، عبر تشكيل حكومة وطنية، بشراكة سياسية تشمل الجميع، وتعمل على فك الحصار، ودعم قطاع غزة، وبناء ما دمره الاحتلال وتنميته، ولكن هذه الحكومة ليست بديلة عن السلطة الفلسطينية، وإنما تؤسس لوحدة الضفة الغربية وقطاع غزة، وتواصل خطوات إنهاء الانقسام بين غزة ورام الله والمصالحة الفتحاوية الداخلية وفق مبدأ فلسطين تجمعنا بشراكة وطنية حقيقية.

 لقد عكفت الأقلام المنزعجة من هذا الاتفاق التاريخي على التشكيك والترهيب، ولم تلتفت إلى مجموعة إيجابيات المبادرة للصالح الفلسطيني في المقام الأول والأخير، بقدر ما توقفت عند تبعات المبادرة على واقع حركة «حماس» وعلاقة ذلك بالمشروع «الإخواني» في المنطقة، وعلى من يقف وراءه ويدعمه.

وفي الواقع، كانت مواقفهم متوقعة، لأن «الخطوة على طريق المصالحة الوطنية»، أكدت تميز الجهات الوسيطة التي عملت في صمت وهدوء لصياغة «تفاهمات القاهرة»، ونخص بالذكر مصر، حيث تكشف التفاهمات، قابلية لدى حركة «حماس» في تجاوز خطاب وأفق القيادة الحالية، المستقرة في قطر، والبعيدة عن الأوضاع الحقيقية للحركة في قطاع غزة، وتطلعات الشعب الفلسطيني الأسير محاصرة داخل سياسات متضاربة بين «الانقلاب» على شرعية الشارع الغزاوي وبين «شرعية» انقلاب حركة «حماس» لحماية المشروع الدولي لـ «الإخوان المسلمين» لتمكينهم لاحقاً من تحقيق حكم «خلافة المرشد»!

وقد أتت تفاهمات القاهرة في خضم الاضطرابات التي ترجّ المنطقة العربية كاملة نتيجة لـ «ربيع عربي»، خطط له لتمكين سيطرة القوى الظلامية المتآمرة على أوطانها وتنفيذ مخطط التقسيم، فتجزيء المجزأ، وتفتيت المفتت. ولذا فلا بد من الإشادة بشجاعة إقدام كلا طرفي معادلة المفاوضات بتحبيذهما مصلحة الوطن قبل الجماعة أو المنظمة، وتقديم كل الضمانات اللازمة لتحقيق وحدة الشعب الفلسطيني.

لقد سبق للمملكة المغربية أن احتضنت اللقاء الأولي للمصالحة في مرحلة ما بعد «الربيع العربي» الحرجة (2011-2013)، وجمعت فيه بعض قيادات حركة «فتح» وحركة «حماس»، وتم في مدينة الصخيرات، (ضواحي العاصمة الرباط)، في مطلع يناير 2013، حيث أعرب حينها ممثل حركة «فتح» توفيق الطيراوي في لقاء المغرب بأن «لقاء المغرب ليس بديلاً لمحادثات مصر أو محاولة لتعويض الدور المصري». والأمر نفسه ورد أيضاً فيما صدر عن ماهر عبيد عن حركة «حماس»، كون اللقاء «ليس بديلاً لما يجري في القاهرة وإنما هو دعم للجهود المبذولة مع إعطاء دور أكبر للمغرب في هذه المصالحة تماماً كما حصل في كل المحطات».

ولم نعاين حينها، أي تتمة أو متابعة للحدث بمبادرات تغذي المصالحة، حتى الإعلان الأخيرة عن تفاهمات القاهرة التي تعتبر خطوة متقدمة على المبادرة المغربية، ومُكملة لها، ومن غير المستبعد أن نعاين عما قريب، خطوة مغربية في السياق ذاته.