أخر الأخبار
حول ما يجري في القاهرة وزيارة وفد حماس
حول ما يجري في القاهرة وزيارة وفد حماس

زيارة وفد حماس بهذا الزخم تحمل دلالات واضحة اتجاه حسم خياراتها السياسية المستقبلية للتعاون مع مصر، في مجالات مختلفة، وان المناورات مع قطر وتركيا تراجعت بشكل كبير لصالح الشقيقة مصر وتحالف الرباعية العربية.

حركة حماس كانت سابقاً تدرك اهمية العلاقات مع مصر، لكن بعض مراكز القرار فيها كان يلعب دوراً معطلاً باستمرار إلى ان حدثت تغيرات داخلية اعطت فرصة اكبر للقيادات الشابة من قطاع غزة، الذين في معظمهم مناضلين غير ملوثين بتجربة قيادة خالد مشعل، القيادة العسكرية جزء منها داخل السياسية هي ذات صدقية في الموقف، ويمكن الرهان على اتفاق معها يجري الإلتزام به وتنفيذه.

لهذا كانت التفاهمات، وموقف السنوار الذي يحسب له، موقف وطني بإمتياز، مجرد من أي حسابات أخرى، تفاهمات يجري تنفيذها على الارض رغم كل المعيقات التي يمارسها الاطراف المحسوبة على التيار القطري، في حماس وفي فتح، وبعض المستفيدين من الانقسام اقتصادياً.

هذه الاطراف المعطلة، في السلطة وفتح وحماس ما زالت خاضعة لسيطرة بعض القوى الإقليمية وإسرائيل، حيث ان الأخيرة لاعب اساسي في الوضع الداخلي الفلسطيني، ولا يعجبها وحدة النظام السياسي الفلسطيني.

عباس وفريقه، يدركون أن المصالحة الشاملة تعني عدة أمور، من بينها:

_ عقد اجتماع للقيادة المؤقتة بمشاركة مختلف القوى، والشروع في إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ومجلسها الوطني، وهذا سيقطع عليه الطريق أمام استكمال حملة الإقصاءات التي يقوم بها، كذلك يغضب إسرائيل لأن إحياء المنظمة وتفعيلها له دلالات سياسية متعلقة بالمقاومة والسياسية.

_ المصالحة الشاملة تعني إجتماع المجلس التشريعي واعادة تشكيل الحكومة الفلسطينية ومنحها الثقة المطلوبة، وممارسة التشريعي لدوره كمؤسسة رقابية، وبالتالي انتظام عملية الرقابة والمساءلة، عباس لا يملك الأغلبية في التشريعي، حتّى من كتلة فتح البرلمانية التي يعارضه منها جزء كبير، وسيطرحون ملفات كبيرة من بينها الإختلاسات في صندوق الإستثمار واعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى، وغيرها من قضايا ذات أثر وضرر على اللوبي الإقتصادي الخطير الذي نما في أحشاء السلطة.

_ المصالحة الشاملة تعني أيضاً البدء في التحضير لإنتخابات تشريعية ورئاسية وبلدية، وفق نظام انتخابي متفق عليه، وهذه المسألة تعد كارثة كبرى بالنسبة لعباس، هو يعلم أنه لن يكون رئيس للشعب الفلسطيني مع أوّل انتخابات يجري تنظيمها.

_ المصالحة تعني وقف الإنتهاكات واشاعة الحريات العامة، ولجم ممارسات أجهزة الأمن، وحينها سيقول الناس كلمتهم، عشر سنوات من القهر والإستبداد، أبرزها ما قامت به المحكمة الدستورية بحق المؤسسة التشريعية، مروراً بالإعتقالات ومصادرة الأراضي لصالح شركات احتكارية مملوكة لأبناء عباس، إلى جانب مصادرة حقوق العاملين في الوظيفة العامة، على سبيل المثال موظفي التعليم، سيتراجع دور الأجهزة الأمنية لصالح الحركات الإجتماعية المطلبية كالعمال والنقابات وغيرها، والسياسية حيث ستنشط الأحزاب وتجمعات سياسية أخرى إحتجاحاً على التنسيق الأمني واللقاءات التفاوضية وغيرها من قضايا، تشكل تهديداً على جماعات المصالح في النظام السياسي الفلسطيني.

ربما يعلن اطراف في فريق عباس بعض المواقف التصالحية، ويذهبون إلى القاهرة ويجتمعون مع حماس وجهاز المخابرات العامة، وتظن جماهير الشعب الفلسطيني أن المصالحة باتت على الأبواب، كما حصل في فترة اتفاق الشاطئ، لكن هذا لن يحدث في عهد حكم عباس، للأسباب السابقة الرئيسية، وغيرها من تفاصيل.

لم تتوفر فرصة تصالحية لعباس أفضل من فرصة مبادرة الرباعية العربية، التي رفضها مسيئاً للفلسطينيين والعرب، ومضى إلى  المشاركة في جنازة المجرم شيمعون بيرس، لإسترضاء الإحتلال واللهاث وراء لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والطلب من الإدارة الأمريكية وروسيا لتنظيم لقاء يجمعه مع نتنياهو دون شروط، حيث اسقط شرط وقف الإستيطان المجمع عليه فلسطينياً.

لقد غادر عباس وإلى الأبد، مظلة الإجماع الفلسطيني والعربي، غادرها وهو على يقين أنه في حماية إسرائيل والإدارة الأمريكية، لهذا يقوم بما يقوم به بحق غزة، وبحق عشرات المواطنين الذين يعتقلهم في الضفة لمجرد موقف على صفحات التواصل الإجتماعي .

التفاؤل مطلوب، حيث أنّ بثّ الأمل في أوساط الفلسطينيين عمل مفيد، لكن هناك فرق بين احياء الأمل وصناعة الوهم، الأخيرة تدفع الناس نحو اليأس والإحباط والاستنكاف عن أيّ فعل وطني، ربما انفجار لا تحمد عقباه.

سيخسر الفلسطينيون مقطع آخر من الوقت، لكنهم سيدركون ايضاً ويدرك معهم كل العرب، ان عباس مراوغ ويناور لكسب الوقت لا أكثر، وهذا ما سيزيد من فرص انفاذ التفاهمات التي جرت ما بين حماس وإصلاحي حركة فتح والأشقاء في مصر والإمارات، وسيدفع اطراف التفاهمات للبحث عن خيارات أخرى لمعالجة استبداد عباس.