أخر الأخبار
دخل دحلان وخرج مشعل... فتغير المشهد!
دخل دحلان وخرج مشعل... فتغير المشهد!

هذا التحول الدرامي الحاصل هذه الأيام، بين الضفة وبين غزة، على أرض فلسطين، يبدو لي كأنه مرتبط في الأساس بدخول رجل فلسطيني إلى المشهد، وخروج رجل آخر!

والتحول الدرامي الذي أقصده، هو المصالحة بين الطرفين طبعاً، فلقد طال انتظارها لعشر سنوات كاملة، منذ أن وقع الانقسام في 2007، دون جدوى في كل مرة، إلا هذه المرة التي دخل فيها رامي الحمد الله، رئيس الوزراء الفلسطيني إلى القطاع، وسط ترحيب من حركة حماس، ومن قادتها، ومن أبنائها، لم يحدث أن رأينا مثله من قبل، في استقبال قيادة فلسطينية، على أرض غزة، ولا كان له مثيل على مدى عقد كامل من الزمان!

وكان إيهاب بسيسو، وزير الثقافة الفلسطيني، قد سبق رئيس الوزراء إلى غزة، ليعقد اجتماعاً بقيادات وزارته في مقر الوزارة هناك. وهذا أيضاً تطور يكاد يكون عصياً على الاستيعاب!

ووصل الحماس للمصالحة، ولإتمامها بأي ثمن، إلى حد أن يحيى السنوار، رئيس الحركة، قال في تصريح منشور على لسانه، إنه سيكسر رقبة أي أحد يقف في طريق لم الشمل الفلسطيني!

ومن قبل السنوار، كان إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، قد قرر حل الإدارة الحمساوية التي كانت تتولى منذ وقوع الانقسام تسيير الأمور في غزة، ودعا حكومة التوافق الوطني برئاسة الحمد الله، إلى أن تأتي سريعاً لتتسلم المعابر، وإدارة القطاع، وتنظيم حياة الناس، وكل شيء تقريباً!

وهذا أيضاً تطور مُثير؛ لأن هنية اليوم، هو نفسه هنية الذي عرفناه بالأمس، بامتداد السنوات العشر، فماذا يا رب جرى، وماذا طرأ؟!

هل طرأ - مثلاً - أن الطرف الأميركي قرر، باعتباره راعياً لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، منذ أوسلو، ومنذ ما قبل أوسلو، إقامة الدولة الفلسطينية، غداً، لا بعد غد؟!

لم يحدث طبعاً، رغم الكلام الكثير، والقوي، الذي نسمعه منذ جاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الحكم في يناير (كانون الثاني) الماضي، عن شيء ضخم اسمه صفقة القرن! إذ رغم أنه شيء ضخم، ورغم أن الحديث المتناثر عنه يقول إنه يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية، فإن صفقة القرن هذه تبدو لنا، منذ طفت على سطح السياسة في المنطقة، وكأنها جبل ثلج عائم، نرى ذروته، ولا نعلم شيئاً عن حجم الجزء المختبئ منه تحت الماء!

وبالإجمال، هي شيء أقرب جداً إلى الغموض، منه إلى الوضوح، حتى هذه اللحظة، ولو أنت جربت أن تسأل كثيرين بيننا عنها، فستكتشف أن معرفتهم بها لا تتجاوز اسمها واسم صاحبها!

ثم إنه ليس من المنطقي أن يقول ترمب، في كل مناسبة، إنه جاد في صفقة القرن، ثم يتصرف سفيره في تل أبيب على نحو مغاير، بل مناقض تماماً. إن السفير ديفيد فريدمان طلع علينا، قبل أيام، ليقول إن إسرائيل لا تحتل أرضاً للفلسطينيين!! قالها وأثارت من الصخب ما أثارت، وأشاعت كثيراً من ردود الفعل الغاضبة، ولكنه لم يسحبها، ولا اعتذر عنها!

ولم تكن هذه هي المرة الأولى، التي نجد أنفسنا فيها أمام إدارة أميركية في البيت الأبيض، تقول كلاماً عن القضية الفلسطينية، بينما يقول سفيرها المعتمد في تل أبيب كلاماً آخر لا علاقة له بما تقوله هي!

فحين وصل فريدمان إلى إسرائيل، ليتسلم مهام عمله، عند بدء ولاية ترمب، قال إن بلاده سوف تنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، ثم أضاف ما هو أكثر من هذا، عندما صرح بأنه يملك بيتاً في القدس، منذ فترة، وأنه سيقيم فيه، سواء انتقلت السفارة أو لم تنتقل!

ولم يكن هناك ما هو أشد استفزازاً مما قاله السفير الهُمام! ولا كان أمامنا بالتالي دليل يقول إن تغيراً جوهرياً طرأ بشكل لافت على الموقف الأميركي، وإن هذا التغير هو الذي يقف وراء التحول الدرامي الجاري على مستوى الضفة الغربية وغزة معاً!

ولا كان الطرف الإسرائيلي، بدوره، قد أبدى أي مرونة تقول إنه ذاهب إلى الاعتراف بحق الفلسطينيين في أن تقوم لهم دولة، على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967!

فالتشدد هو السمة الغالبة في الموقف الإسرائيلي عموماً، وهو القاعدة، وما سواه يظل استثناءً، وإنْ كنا حتى الآن لا نرى للاستثناء أثراً على الأرض، خلال أي محفل دولي تكون الحكومة الإسرائيلية مدعوة فيه، إلى أن تقر بأن لها جيراناً فلسطينيين، وأنهم أصحاب قضية عادلة!

هل يمكن رد التحول الدرامي إلى الرعاية المصرية للمصالحة؟! ممكن بالطبع، فالدور الذي نهضت به القاهرة في الموضوع كبير، وصادق، وصريح، بشهادة أصحاب القضية أنفسهم، سواء كانوا من جماعة الرئيس محمود عباس، في الضفة، أو كانوا من جماعة هنية في قطاع غزة!

ولكن يبقى رغم ذلك شيء آخر، لا يمكن تجاهله في ظني، ولا يمكن القفز فوقه، باعتباره مدخلاً إلى التحول الذي لا أبالغ حين أصفه بأنه درامي! هذا الشيء عند تأمله، هو العنصر الذي تغير في المشهد كله، بينما العناصر الأخرى ثابتة، أو تبدو ثابتة أمام أعيننا على الأقل!

الشيء الذي تغير، هو دخول القيادي الفتحاوي محمد دحلان إلى المشهد الفلسطيني العام، وخروج خالد مشعل، القيادي الحمساوي، من المشهد ذاته. لقد دخل رجل، وخرج رجل، فتغير المشهد وتطور، على نحو ما نرى ونتابع، وكلا الرجلين، كما نعرف، وراءه ما وراءه من ثقل فلسطيني، وعربي، وربما إقليمي!

نقلًا عن الشرق الأوسط