أخر الأخبار
«داعش» وحسابات المغادرة
«داعش» وحسابات المغادرة

«دولة الدواعش» تتآكل، العاصفة تجتاح التنظيم، القوى المتصارعة من داخل الإقليم ومن خارجه بدأت سحب عناصرها منه، فقد تعرض لاختراقات واسعة، نجحت فى توظيفه لصالح أجندات مختلفة، «داعش» تعتمد على المرتزقة، لذلك كان فيها متسعاً لكل المتنافسين.. قبل تحرير الموصل يوليو 2017، نقلت طائرات الهليوكوبتر الأمريكية قادة التنظيم إلى الرقة، وخرج الصف الثانى من القيادات فى سيارات على الطريق البرى، مخترقين الصحراء المكشوفة، لم تستهدفهم طائرات «التحالف الدولى»!!.. معركة تحرير الرقة، عاصمة التنظيم بسوريا بدأت فى يونيو، «التحالف» فتح لـ«الدواعش» ممراً للهروب إلى دير الزور، وظهرت المروحيات الأمريكية من جديد لنقل القادة، لقد قاربت مهمتهم على الانتهاء، وبدأ التوافق على ترتيبات الوضع الإقليمى، ومراجعة «حسابات المغادرة».

الطرفان الفاعلان الرئيسيان فى الأزمة أمريكا وإيران، عندما كانت الأولى تعيد تأسيس داعش 2006، أفرج نورى المالكى عن العناصر المرتبطة بالتنظيم، وسمح لهم بالسفر لسوريا، وعندما اجتاح التنظيم العراق 2014، أصدر أوامره بانسحاب الثلاث فرق التابعة للجيش والمجهزة بكامل أسلحتها، من الموصل وتكريت والفالوجة، دون اصطحاب أسلحتهم!! ووجه أسامة النجيفى، محافظ نينوى، وشقيق رئيس البرلمان، بحرق كافة الوثائق الرسمية، وعدم مقاومة «المجاهدين»!! انكسار الجيش العراقى كان هدفاً لإيجاد مبرر تستند إليه إيران فى تغلغلها بالعراق، وتشكيل ميليشيات الحشد الشعبى الموالية لها، بحجة أن الجيش العراقى غير قادر وحده على المواجهة.. أمريكا استخدمت داعش كأداة ترهيب تسمح بعودة قواتها للعراق، ومحاولة خلق كيانات طائفية متصارعة، من خلال التطهير العرقى، والمذابح الجماعية اللذين مارسهما التنظيم ضد المسيحيين والأيزيديين والشيعة فى العراق وسوريا، وسعت لتحقيق حالة من التشتت تسمح بمحاولة تشكيل كيان سياسى كردى مبتثر شمال العراق وسوريا، لأنها تدرك عدم امتلاك الإقليم لمقومات الدولة، واتفاق كل الدول المحيطة به على عدم السماح بدولة كردية، مما يسمح لواشنطن بإقامة قاعدة عسكرية دائمة لحماية توازن الوجود العسكرى الروسى فى اللاذقية، وتحول دون عودة سوريا الموحدة.

الدعم الأمريكى لداعش أضحى أقرب ما يكون إلى اللعب على المكشوف، الطائرات الأمريكية تدخلت مراراً بإسقاط أسلحة وعتاد ومواد غذائية ومياه لمواقع داعش المحاصرة، المدنيون ورجال الشرطة رصدوا ذلك بقضاءى الحويجة جنوب كركوك، وتلعفر غرب الموصل، المقدادية بمحافظة ديالى، وبادية الجزيرة غربى الأنبار بالعراق، وتداولوا تسجيلاتها على مواقع التواصل الاجتماعى، والأكثر فجاجة قصف الطيران الأمريكى لوحدات الجيش العراقى التى طلبت دعماً جوياً للتخلص من حصار داعش قرب بلدة عامرية الفالوجة، فاستهدفتها الطائرات الأمريكية ليسقط 20 شهيداً و30 مصاباً ديسمبر 2015، وتكرر نفس السيناريو فى موقع جبلى محاصر للجيش السورى قرب مطار دير الزور سبتمبر 2016، مما سهل على التنظيم اقتحامه، أمريكا بررت الغارتين بالخطأ، لكن روسيا اتهمتها بالتواطؤ.

تولسى جيبارد، النائبة بمجلس النواب الأمريكى عن الحزب الديمقراطى، اتهمت الإدارة الأمريكية «أبريل 2017» بدعم الجماعات الإرهابية، واستخدام أموال دافعى الضرائب لتمويل داعش، وتقدمت بمشروع قرار يُجرِّم مثل هذا التعاون، شركتا Chemring وOrbital ATK الأمريكيتان، اللتان تساهمان فى برنامج البنتاجون الخاص بتسليح حلفاء الولايات المتحدة، سلمتا إلى داعش والنصرة 1420 شاحنة محملة بالأسلحة، من 5 يونيو حتى 15 سبتمبر 2017، كانت مخصصة لقوات سوريا الديمقراطية، الخارجية الروسية فسرت ذلك بمحاولات تأخير هزيمة داعش، وحذرت واشنطن من «رد قاس».. حميد رضا، مستشار قائد الحرس الثورى الإيرانى، أكد فى يونيو 2017 أن إيران تمتلك أدلة موثقة على دعم أمريكا المباشر لـ«داعش»، بالسلاح والدعم الطبى واللوجيستى، وستقوم بنشرها فى الوقت المناسب.. ما تقدم معلومات محققة، لا يمكن التشكيك فيها باعتبارها تستند لأطراف فى حالة عداء لأمريكا، لأن الرئيس التركى أردوغان حليف أمريكا، اتهمها بدعم داعش فى سوريا، ملوحاً بامتلاك أدلة من «صور وتسجيلات فيديو» تؤكد ذلك.

سحب أمريكا لداعش من المنطقة أصبح من المسلمات، فإلى أين اتجاهها الرئيسى؟!.. الحرب فى سوريا والعراق كانت بالنسبة لأمريكا ميداناً لتشكيل «جيش سيار»، يضم طابوراً خامساً مدرباً، قادراً على إثارة الاضطرابات فى الصين وروسيا، منافسيها الحقيقيين على النطاق الدولى.. استحضار قرابة 5.000 من متطرفى «الويجور» الذين يتحدثون التركية بإقليم شینجیانج الصينى، إلى الرقة، ونحو 10.000 عنصر قوقازى ينتمون إلى الشيشان، جورجيا، داغستان، وأذربيجان يعكس استهداف أمريكا لدول البريكس.. انفجار الفتنة الطائفية فى ميانمار، وعمليات التفجير التى طالت موسكو، وبدء عودة بعض هذه العناصر إلى بلادها عبر أوكرانيا مؤشرات على نضوج الخطة الأمريكية.

الرئيس الأفغانى السابق، الموالى للغرب، حامد كرزاى اتهم القوات الأمريكية بتقديم الدعم لداعش، مشيراً إلى قيام طائرات مروحية مجهولة الهوية بدعم تشكيلات داعش على امتداد البلاد، تحت إشراف المخابرات الأمريكية.. داعش تنقل حالياً قطاعاً واسعاً من تشكيلاتها إلى أفغانستان، تنشط فى ضم مقاتلين من «طالبان» لصفوفها، وبعض جنود الجيش الأفغانى يعلنون انشقاقهم والانضمام لها، وهناك سعى لإحياء مشروع «خراسان كبرى»، الذى يشمل أجزاء من أفغانستان وأوزبكستان وتركمانستان وإيران، كبديل لدولة الخلافة الإسلامية، داعش تركز وجودها بالمناطق الشمالية الأقرب لروسيا، يتلقى بعض عناصرها تدريبات سريعة بمعسكرات يشرف عليها الخبراء الغربيون، لتأهيلهم للتوجه إلى طاجيكستان وأوزبكستان، والاستفادة مما يتمتعون به من سهولة دخول روسيا لتجنيد أعضاء جدد.. التعاون بين أمريكا وداعش فى إعداد المقاتلين، وتجهيز الساحة الروسية لمعارك جديدة، يثير قلق موسكو، خاصة بعد أن تجاوز عدد مقاتلى داعش بأفغانستان الـ7.000، واتجاه أمريكا لزيادة عدد قواتها من 8.000 جندى لـ11.000 تحسباً للتصعيد، مما اضطر روسيا إلى دعم طالبان، عدوها القديم!!

فى إطار حسابات المغادرة لداعش ينبغى التساؤل عن وضع مصر ضمن خطة إعادة انتشار داعش.. مصر كانت حتى وقت قريب ثانى الأهداف بعد أفغانستان، ولكن طرأت متغيرات قلبت الحسابات، أولها: غل أيدى قطر عن توفير التمويل المادى للإرهابيين شمال سيناء نتيجة لفاعلية الحصار العربى، ثانيها: إحكام السيطرة على أموال الإخوان وحركتها التمويلية داخل مصر، ثالثها: تحقيق المصالحة بين القاهرة وحماس، وبين الأخيرة والمنظمة، رابعها: دور الطيران المصرى فى قطع خطوط الدعم البرى والجوى القطرى للإرهابيين فى ليبيا عبر السودان، ونجاح البحرية فى وقف الدعم التركى عبر المتوسط.. وتبقى أهمية المسارعة بالتمشيط الدقيق لبقايا الإرهابيين بالعريش، لأن تقييد مصادر الدعم يدفعهم إلى تطوير أساليب البحث عن مصادر بديلة كـ«اقتحام البنك الأهلى»، وتكثيف عمليات التجنيد بين البدو، وزيادة العنف بين المدنيين لإشاعة حالة من الاضطراب تضعف الجبهة الداخلية.