أخر الأخبار
الخيارات العربية لإجهاض قرار ترامب
الخيارات العربية لإجهاض قرار ترامب

شكل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس تطورا خطيرا في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي, فهو يقوض الشرعية الدولية للحقوق الفلسطينية المشروعة، وعلى رأسها القدس الشرقية كمدينة محتلة وعاصمة الدولة الفلسطينية المرتقبة, وتشكل حزمة كبيرة من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وأبرزها القرارات 242 و 478 و 2334 وغيرها من عشرات القرارات التي تؤكد جميعها أن القدس مدينة فلسطينية تقع تحت الاحتلال، وأن كل ما قامت به إسرائيل من سياسات فرض الأمر الواقع عبر التهويد ونشر المستوطنات وتغيير هويتها العروبية والإسلامية وتركيبتها الديموغرافية, باطلة وعدمية, كما أنه ينزع الغطاء الرسمي عن الولايات المتحدة كراع لعملية السلام منذ مؤتمر مدريد عام 1991 ويهدم اتفاق أوسلو عام 1994 والذى أدى لإنشاء السلطة الفلسطينية وترك القدس ضمن قضايا الوضع النهائي التي تقررها المفاوضات, إضافة إلى أنه يعطى الضوء الأخضر لحكومة الاحتلال اليمينية الدينية المتطرفة للتمادي في عدوانها على الحقوق الفلسطينية، ويطلق يدها في إنشاء المزيد من المستوطنات في القدس الشرقية دون أي رادع.

الرد على الخطوة الأمريكية يتطلب العقلانية والحكمة في إدارة هذه الأزمة بعيدا عن المزايدات والردود الانفعالية، فهي لن تغير من الأمر شيئا وستكون مجرد ردود أفعال ستمر ونكون إزاء واقع مؤلم جديد يقضى على ما تبقى من القضية الفلسطينية. فثمة مسارات وخيارات عربية للتحرك لمواجهة قرار ترامب وتتمثل في:

أولا: التحرك الدبلوماسي الدولي من خلال مجلس الأمن لاستصدار قرار من المجلس برفض قرار ترامب وهو قرار يمكن تمريره بعيدا عن الفيتو الأمريكي حيث إن الولايات المتحدة كعضو دائم في المجلس يمتنع عليها التصويت على هذا القرار لأنها طرف فيه وفقا لميثاق الأمم المتحدة, وفى ظل تأييد الدول الكبرى الأخرى مثل روسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وبقية أعضاء المجلس والتي رفضت بالإجماع قرار ترامب في الجلسة الطارئة للمجلس, وهو ما يبطل قانونية القرار الأمريكي من ناحية ويجعله مجرد خطوة أحادية وسلوك انفرادي لا يؤسس لأى وضع قانوني على الأرض, كما أنه يزيد من عزلتها ومعها حليفتها إسرائيل في المجتمع الدولي ويظهر أن الولايات المتحدة تضرب بالقانون الدولي والشرعية الدولية عرض الحائط.

ثانيا: توظيف حالة الزخم والتأييد الدولي للحقوق الفلسطينية والرافض لقرار ترامب, وهو ما عبر عنه أغلب زعماء العالم, في إيجاد حالة من التلاحم والتنسيق بين الموقف العربي الرافض والغاضب والذى عبر عنه بيان الاجتماع الوزاري الطارئ للجامعة العربية, وبين الموقف الدولي الرسمي والشعبي لتشكيل جبهة ضغط عربية ودولية على الولايات المتحدة للتراجع عن قرارها أو تجميده لحين تقرير مصير القدس وفقا للمفاوضات وعملية السلام, أو على أسوأ الاحتمالات نقل سفارتها للقدس الغربية ذات الغالبية اليهودية, لأن القدس الشرقية هي محل الصراع والتي احتلتها إسرائيل عام 1967 والتي تضم الأماكن المقدسة التي تخص أصحاب الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام والذى يزيد أتباعها عن أكثر من ثلاثة مليارات ونصف مليار شخص, وهو ما دفع بابا الفاتيكان فرانسيس إلى رفض قرار ترامب والتنديد به, ولذلك يجب أن يكون التحرك ليس فقط من منظور أن القدس إسلامية ولكن أيضا من منظور أنها تمس المسيحيين فى كل أنحاء العالم.

ثالثا: التحرك المضاد لقرار ترامب عبر دعوة بقية دول العالم إلى الاعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية، خاصة أن الشرعية الدولية المتمثلة في القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومنظمة اليونسكو في مصلحة الشعب الفلسطيني، إضافة إلى أن العديد من دول العالم وبرلماناتها، كما حدث في العديد من البرلمانات الأوروبية، اعترفت في السابق بالدولة الفلسطينية، كذلك التحرك المبكر والسريع دبلوماسيا لمنع أن تقوم دول أخرى بحذو السلوك الأمريكي وتنقل سفاراتها إلى القدس.

رابعا: اللعب على ورقة المصالح العربية والإسلامية مع الولايات المتحدة وتوظيف أوراق المصالح الاقتصادية في الضغط على إدارة ترامب, التي تتبنى عقيدة الصفقة في السياسة الخارجية, وهو المدخل الصحيح للتعامل مع تلك الإدارة التي تجهل الأوضاع المعقدة في الشرق الأوسط والطبيعة الخاصة لمدينة القدس ومكانتها ليس فقط لدى العرب والمسلمين بل أيضا عند المسيحيين, كذلك إقناع إدارة ترامب أن هذه الخطوة ستحمل تداعيات خطيرة على المصالح الأمريكية الاقتصادية والسياسية في المنطقة، وتعطى الذريعة للجماعات الإرهابية والتيارات المتشددة والدول التي ترعى الإرهاب مثل إيران لتوظيف قرار ترامب لخدمة مصالحها وأجنداتها.

خامسا: توظيف الورقة الشعبية المتمثلة في الاحتجاجات العارمة التي عمت فلسطين والدول العربية والإسلامية، عبر سلمية هذه الاحتجاجات من ناحية ولدعم التحرك الرسمي من ناحية أخرى لتشكيل رأى عام عالمي مناهض للولايات المتحدة وإسرائيل وكشف زيف ديمقراطيتها المزعومة أمام المجتمع الدولي بما يزيد ويكرس من عزلتها.

وأخيرا التحرك ليس فقط على صعيد مواجهة قرار ترامب ولكن الأهم أيضا التحرك على مسار العودة لأصل القضية وهي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية والضفة الغربية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.