محمد الداية حبيساً
لا يُعد اعتقال محمد الداية محض ممارسة سفيهة، من الرجل المذعور الذي يستفرد في الحكم وحسب؛ وإنما هو حلقة من مسلل التعديات على القانون، وعلى كرامات الناس وتاريخها، وينم عن جفاء فظ حيال الرمزيات كلها التي يمثلها راحلون أفذاذ، ومؤسسون للحركة الوطنية، وحيال أحياء أخيار، من رجال الثورة، والنواب والنائبات، والكادر الوطني، والمناطق المهمشة والمخيمات النابضة بقيم الحرية واستعادة الحقوق، ويمثل اعتداءً على اللغة نفسها التي دأب الشعب الفلسطيني على التعبير بها عن محنته وعذاباته وطموحاته!
ابتلاء محمد الداية، وهو الشاب الذي ترعرع في ظلال الزعيم الباسل الحاني والشهيد ياسر عرفات؛ ليس من صنيع الوطنيين حتى الذين يؤدون وظائفهم في أجهزة السلطة وجهاز قضائها، وإنما هو ــ كما جاءنا ــ استجابة لقرار أرعن، ناتج عن همس كيدي بلسان مرافق عباس الأثير، فرخ المصور السابق، الذي يمشي بخيلاء طاووسية، لم تأنس كلبة هتلر، التي سماها "بلوندي" في نفسها الأهلية لأن تمشي بها، في أوائل عقد الأربعينيات من القرن المنصرم. وبالطبع لا يعرف الطاووس المثير للسخرية، أن هتلر والكلبة وسواهما، على ثِقل وزن الأول ودلال الثانية وجبروت الضباط الأفذاذ عديمي الرحمة، أماتوا أنفسهم طواعية. بل إن "نورمان" الذي أهدى الكلبة الى هتلر، مات منتحراً هو الآخر.
اضطر محمد الداية، الى الإضراب عن الطعام والماء، بعد الزج به في سجن أريحا، حيثما يُعذب المقاومون والشبان الشجعان من أبنائنا في الضفة. أما المتخلفون عن قراءة مضامين ومؤشرات هذه البانوراما السوداء، فقد أرهقهم جُبنهم وأعياهم الرياء العسير، لفرط ما تطلب هذا الرياء منهم تجميل الحال البشعة، ومديح رائحة الغائط وجعله عطراً، حتى بات الرياء المُضني سبباً في اختلال مطرد في دواخلهم، إذ أوشكوا على تضييع ظلالهم. أما الصامتون بلا رياء، فلا زالت تُقرع في دواخلهم طبول الطرق الصوفية، التي تتوسل رب العالمين، كشف الغُمة ورفع البلاء!
اعتقالات، وقطع رواتب، وتلفيق اتهامات للوطنيين، واجتجاز جوازات سفر، وقوائم منع المغادرة، واحتباس الدواء عن المشافي، وخنق المناطق وإيذائها بالجُملة، وقرارت فصل الناس من وظائفها، ووقف صرف رواتب متقاعدين، ومراقبة وسائل التواصل لضبط لغة المواطنين وفرض الرضوخ عليهم ومصادرة حقهم في التعبير عن آرائهم، لكي لا يكون بمقدور واحد منهم، وصف الطاعون الرئوي، مهما سُمع السعال وشوهد بصاق الدم؛ وكل هذا لكي يتمكن عباس من الوصول الى خاتمة تجربته سعيداً موفور المال هو والنجلين اللذين يعرف كل من يعرفهما من الفلسطينيين، أنهما لا ينضبطان لأية قيمة إنسانية أو اجتماعية أو دينية، ولكي يُخربها عباس تماماً دون أن يكلف نفسه الوقوف على تلها وركامها!
عندما نقول مجازاً وعلى سبيل المثال: الحرية لمحمد الداية، وحرية السفر للمناضل القائد أبو العز الدجاني وللمناضل البريىء الإعلامي رياض الحسن ولأختنا المناضلة الوطنية الدكتورة نجاة أبو بكر؛ لا نكون بصدد الحديث عن حرية مُطلقة، وإنما عن الحلقة الأولى من هذه الحرية، وهي تتمثل في حرية التنفس، وحرية التنقل التي أجازها للناس الاحتلال البغيض نفسه بعد احتلال 67، عندما كان يزود المضطرين للسفر والعودة، الذين فقدوا اتصالهم بمراكز اصدار جوازات السفر؛ بوثيقة ذات اسم باللغة الفرنسية معناه "دع حاملها يمُر" وبات ينطقها حاملوها:"لاسيه باسيه"!
اعتقال محمد الداية، في التوصيف السياسي، هو احتباس للحرية ومحاولة لإهدار الكرامة وفرض الهوان وتهديد الحياة الشخصية، وقد طال رجلاً محبوباً لأنه كان مؤتمناً على حياة الشهيد الزعيم الرمز وأب الحركة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات. إن هذه سفاهة معطوفة على كل ما أظهره عباس من بغضاء حيال الوطنيين. فهل يقرأ أهل الرياء هذا المعنى فيستدركون قبل فوات الأوان؟!