أخر الأخبار
نحو افتضاح معرقلي المصالحة
نحو افتضاح معرقلي المصالحة

كلما التقى وفدٌ من التيار الفتحاوي الإصلاحي مع وفد من حركة حماس؛ يرتفع تلقائياً منسوب التوجسات العباسية، ويُبادر حُراس الخصومة، الى إعلان حال الطواريء!

صحيح إن تفاهمات التيار الإصلاحي مع حماس، قد أسهمت في تهيئة المناخات لمصالحة وطنية شاملة، لكن جوهر هذا الصحيح، هو أن التيار وبهذا المنحى، يبدد الهواء الملوث ويأخذنا جميعاً الى خارج مربع السجال المرير والتهاجي اليومي والتخوين وتَحسّب كل طرف من مخاطر سلوك الطرف الآخر، أي الى الخروج من الوضعية التي رآها عباس مواتية للانقضاض على الكادر الوطني الفتحاوي وإقصائه، في الضفة وغزة، والانفلات الأمني على المجتمع الفلسطيني وقواه الحيّة في الضفة، وإطاحة القانون، وتلك ممارسات مكملة لإقصاء غزة والحديث جهاراً نهاراً عن معاقبتها كما لو أنها مذنبة!

الوطنيون جميعاً، يضعون نُصب أعينهم، هدف إنهاء تسلط وتفرّد الشخص الفرد في الضفة، التي أوصلها الى حال التردي غير المسبوق في تاريخ الوطن وفي تاريخ الكفاح الوطني، وكذلك تسلط حماس وتفردها في غزة. وهذان تسلطان وتفردان، أوصلاها الى ذُرى عذابها، والى إطاحة العدالة، على مستوى عوامل الإيذاء الداخلية، المعطوفة على الأسباب الموضوعية!

في الآونة الأخيرة، عندما ذابت الثلوج وانكشفت التربة، لوحظ أن عنصر المال، عصب الحياة الذي يغطي أكلاف المعيشة، هو الذي أصبح موضوع الخلاف، إذ تراجعت المناهج السياسية واختفت نغمة السجال بين من يعتقدون بالمقاومة ومن يعتقدون بالتسوية، وبات مصير المصالحة، معلقاً في مسالتي الجباية والموظفين، أي في المال بالمحصلة. طرف يشترط أن يُجبي تماماً، وآخر يريد استمرار موظفيه بكل إحداثيات تعيينهم وأن يُجبي جزئياً، وإن سنحت أية مناسبة للقاء، توحي بالتقدم على هذا صعيد التوافق على المحاصصة، نرى عناقاً بهيجاً بين أصحاب منهج المقاومة وخصومهم أصحاب التنسيق الأمني. إن هذه هي سمة المشهد الراهن، ما يؤكد على أن مصير الكيان الوطني، الذي يُفترض أن يحكم فلسطين بالوثيقة الدستورية وجوهرها العقد الاجتماعي، بات رهناً بأهواء ومقاصد الطرف المتفرد، الذي تقع عليه مسؤولية التعطيل والتذرع بالجباية، ولا يكترث لأنين الشعب الفلسطيني في غزة، ولا ولا الى حاجة الفلسطينيية الى القانون الذي تنحني له كل الهامات، والى السياسة نفسها ووحدة الورقة الفلسطينية والسفينة الفلسطينية في بحرٍ إقليمي ودولي عالي الموج!

التيار الفتحاوي الإصلاحي، يركز على غزة لكي تنتهي محنتها الخانقة وتبدأ منها عملية إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، لإنقاذ شعبنا كله، في الضفة وغزة، من غلاظة الحكم الفردي بمفاسده ورقاعته وتلاعباته السياسية التي لا تنطلي إلا على السذج. فالناس تعرف أن الموقف السياسي القوي يستمد مصداقيته من الرضا الشعبي عن الفئة الحاكمة، ومن الوحدة الوطنية، ومن تكريس العدالة وإنفاذ القانون، ومن الشفافية وتوافق الرؤى بين مكونات القوى السياسية. أما الإصرار على إيلام الشعب وإغضابه، وإدامة الخصومة، وإطاحة العدالة والقانون، وتكريس بذخ الشريحة الحاكمة وفسادها وتناقض الرؤى، فلا تنتج كلها إلا زعيقاً كاذباً يستحث سخرية الأعداء والأصدقاء!

بعد الخطوات التي وصلنا اليها على طريق المصالحة، اصطدمنا بفرضيّتي تمكين الحكومة ورفع "العقوبات". الآن، لم يعد هناك هامش للمناورة. فلا مناص من أحد خيارين: إما إنجاز المصالحة على أسس دستورية وقانونية، وهذه تستكمل التمكين والجباية، وإما أن يُدان ويُفتضح الطرف الذي يعرقل. ولا مجال للخزعبلات والافتراضات الظنية حول مستقبل غزة وتفاهمات على تكريس حكم فلسطيني ثانٍ فيها. فمن يريد إقصاء غزة، هو الطرف الذي يمضي في إقصائها بالتدابير اليومية المؤذية لحياتها، سواء كان بـ "العقوبات" التي يفرضها عليها دونما ذنب، أو بالتفرد في حكمها بقوة الأمن الفصائلي.

أما التيار الفتحاوي الإصلاحي، فهو لا يرى نظاماً سياسياً غير النظام الذي أسسه الشهيد الرمز ياسر عرفات، وقد تعمد من جاءوا بعده، تجويفه من داخله، أو الانقضاض عليه في غزة. فهذا النظام، هو الضامن لاستعادة الشعب إرادته وتمكينه من اختيار من يحكمون، لذا يريد الوطنيون إصلاحه واستعادة قوته ومشروعيته.