أخر الأخبار
مـاذا يـجـري فـي لبـنـان؟
مـاذا يـجـري فـي لبـنـان؟

في لبنان، الكل مأزوم دون شك، وإن بدا البعض أقل شعورا بالأزمة من سواه، لاسيما أولئك الذين يجدون في اشتباك الطرفين السنيّ والشيعي فرصة لجني المكاسب، كما هي حال الجنرال عون، وإن بدا ذلك أيضا مرحلة عابرة، لأن الحريق حين يمتد لا يترك أحدا في غالب الأحيان، لاسيما حين يكون البيت صغيرا كما هي حال البيت اللبناني.
كل الغطرسة التي يبديها حزب الله وقادته على خلفية شعورهم بأن نظام بشار لم يعد في وارد السقوط السريع، لا تعبر عن حقيقة الموقف، فالحزب لا يعيش هواجس سوريا وحدها، وإنما هواجس التعايش مع بقية اللبنانيين أيضا (فقد تأييد غالبية الأمة)، وقبل ذلك وبعده هواجس ما بعد اتفاق إيران مع الغرب، وما سيترتب عليه بعده.
الأزمة الأمنية تبدو أيضا جزءا لا يتجزأ من أزمة الحزب وأزمة لبنان أيضا، فكل الهيلمان العسكري للحزب لا يمكن أن يحول دون “نجاح” هنا أو هناك يربك وضعه الأمني، لاسيما حين يأتي معطوفا على زيادة واضحة في حجم قتلاه في سوريا، وكل ذلك سيعزز الجدل في أوساط الطائفة الشيعية حول صوابية سياسات الحزب، وإن بدا أن الحشد الطائفي سيغطي على ذلك كله، لاسيما حين يجري تخريج ما يجري على أنه صراع على مصير الطائفة، ليس في لبنان وحده، وإنما في المنطقة برمتها، فضلا عن أن يجري تخريجه على طريقة المالكي كامتداد للحرب “بين أنصار الحسين وأنصار يزيد”!!
ما ينبغي قوله هنا هو أن استهداف المدنيين غير المحاربين من أي طرف، أو القتل على الهوية لا يمكن أن ينصر أية قضية عادلة، والرد على تدخل حزب الله العدواني في سوريا ضد شعب يواجه طاغية، لا يمكن أن يتم بالمفخخات هنا وهناك، حتى لو كانت في مناطق تتبع الحزب من الناحية العملية، ولا يسكنها سوى أنصاره.
نقول ذلك، حتى لا يخرج علينا من يقول إننا نبرر ما جرى من تفجيرات، لكن ذلك لا يعني إنكار صلة ما وقع من تفجيرات بغطرسة الحزب في الداخل اللبناني، والأهم بتدخله في سوريا على ذلك النحو السافر. إنكار يردده قادة الحزب يوميا، مستندين إلى قضية من يسمونهم المتطرفين والتكفيريين، فيما يعلمون أكثر من غيرهم أن هذا اللون من الممارسات ليس نتاج أفكار، بل نتاج ظروف سياسية، ولو لم يكن هناك عدوان على شعب سوريا يشارك فيه الحزب، ولو لم يكن هناك إصرار على استخدام السلاح في ترتيب الشأن اللبناني لما حدث ما حدث.
كل ذلك، لا يعني بطبيعة الحال أن المعسكر السنّي، إن جاز التعبير في وضع مريح، فهو يعيش بدوره أزمة أكبر، وهو لم يشعر أنه ضعيف ومهان في يوم من الأيام كما هي حاله الآن، وهي الإهانة التي بدأت باجتياح الحزب لبيروت (أيار 2008)، ولم تنته فصولا إلى الآن، وما اغتيال محمد شطح سوى فصل آخر من شعور السّنة بأن دمهم مباح، ولا أحد يأخذ بثأره.
وفي حين تبدو الجبهة الشيعية متوحدة خلف حزب الله، مع قبولها بشراكة ما مع حركة أمل، فإن الجبهة السنيّة تبدو في حالة شرذمة وبؤس غير مسبوق، في غياب رمز يلتف الناس من حوله، وفي ظل استقطاب الحزب لقطاع، وإن كان محدودا من السنّة، وتلاعبه بهم من خلال المال الإيراني الذي يتدفق ولا يزال على لبنان، ويشتري آخرين في أماكن عديدة أيضا.
والنتيجة التي يمكن التوصل إليها من هذا المشهد المعقد هو أن ما يجري في لبنان ما هو إلا انعكاس لما يجري في المنطقة، أكان الصراع مع المشروع الإيراني، أم الصراع بين مسيرة الربيع العربي وبين الأنظمة التي تواجهه أكثر مما تواجه إيران، أم الصراع الدولي على مواقع القوة والنفوذ في المنطقة.
ومن دون أن يصل هذا الصراع إلى محطة تهدئة، أو ربما حسم يبدو مستبعدا، فإن أزمة لبنان ستتواصل في ظل حالة حشد مذهبي غير مسبوق في عموم المنطقة، إلى جانب صراع بين قوى الشعوب الراغبة في الحرية، وبين أنظمة الثورة المضادة التي تعتبر أولويتها هي مواجهة الربيع العربي والإسلام السياسي السنّي أكثر من الشيعي.
يبقى القول، إن السبب الأكبر فيما يجري هو سياسة إيران وحلفائها في سوريا، فلو مضت ثورة سوريا نحو النجاح لتمدد ربيع العرب، ولما فشلت ثورة مصر، ولكان بالإمكان الحديث عن جوار عربي إسلامي معقول، ودول مواطنة تشمل الجميع، لكن العمى هو ما دفع إيران إلى اعتبار ربيع العرب مؤامرة حين وصل سوريا بعدما كان “صحوة إسلامية” قبل ذلك حسبما وصفه خامنئي. أما المستفيد الأكبر مما جرى، فهو الكيان الصهيوني الذي زعم التحالف الإيراني أنه يدافع عن بشار الأسد لأجل مواجهته.