هناك طريقتان لقراءة المستقبل إحداهما ترتكز إلى مرجعيات غيبية أو اعتماد الحدس وتندرج في باب التوقعات أو التنبؤ والأخرى علمية ترى في المستقبل حاصل جمع الممكنات الراهن، وقدر تعلق هذا بالسياسة، فنحن نسمع في مطلع كل عام عددا من العرّافين والعرّافات قد تصدق توقعاتهم وقد تخيب، رغم أن الناس يرددون بأن المنجمين كذبوا حتى لو صدقوا!
ما سيحدث هذا العام معظمه -إن لم يكن كله- كان محمولاً في بطن العام الماضي، لأن هناك أعواما أطول من عدد أيامها كما أن هناك قرونا تقصر أو تطول تبعاً لما يجري فيها من أحداث، فالقرن التاسع عشر كان أطول القرون الخمسة الأخيرة والقرن العشرون كان أقصرها لأنه يمتد بين الحرب العالمية الأولى العام 1914 ونهاية الحرب الباردة في نهاية الثمانينيات.
وسأختار مثالاً واحداً فقط من توقعات هذا العام، هو الرئيس المصري القادم والذي تراوحت التوقعات فيه حول الفريق عبدالفتاح السيسي، فثمة من تنبأوا بقدومه مقابل آخرين رأوا العكس.
وما أراه هو أن الاحتكام للقرائن والحيثيات يرجع توقعاً على آخر، على الأقل بالمنهج التاريخي المعروف لابن خلدون.
والقرائن التي بين أيدينا ثلاث.. الأولى, ما يدلي به من تصريحات شخصيات مصرية ذات نفوذ سياسي على الرأي العام، ومنهم من كانوا مرشحين للرئاسة ولم يحالفهم الحظ، كعمرو موسى الذي لم يتوقع فوز السيسي لمنصب الرئاسة، بل طالبه بالترشح تلبية لنداءات شعبية بدأت بحملة شعارها: «أيها الفريق أكمل جميلك»!
وهذا بالضبط ما تكرر في تصريحات بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، لكن من خلال كونه مجرد مواطن مصري فقط هذه المرة.
والقرينة الثانية هي ما يصدر عن مرشحين سابقين للرئاسة، وفي مقدمتهم احمد شفيق الذي كرر أكثر من مرة أنه لن يرشح نفسه إذا تقدم السيسي لهذا الترشيح وسيكون مجرد ناشط في حملته الانتخابية.
والقرينة الثالثة، مزاج شعبي تعبر عنه أناشيد وأغنيات، إضافة إلى إطلاق اسم السيسي على مأكولات وحلويات وذلك ليس مجرد استثمار تجاري لاسم شخصية عامة، بقدر ما هو -في مصر تحديداً- يعبر عن حاجة لبطل يملأ الفراغ، والشعوب لها سايكولوجيا تختلف من مكان الى آخر، لا تبعاً لطبائع ثابتة، بل لأسباب تاريخية وثقافية.
والشعب الذي لخص ذات يوم حاجته للمقاومة بحكاية أدهم الشرقاوي التي تاخمت الأسطورة يعود الى موروثه الشعبي كلما تفاقمت أزمته.
لكن ما يجعل البعض يتحفّظون على هذه القرائن هو تردد الفريق السياسي ذاته، فهو لم يحسم أمره بعد، وثمة من ينصحه بعدم المجازفة كيلا يفقد رمزيته العسكرية ويتورط بمنصب رئاسي سيكون محفوفاً بالأزمات الطاحنة.
وما أراه شخصياً -بعيداً عن التنبؤات- أن الفريق السياسي سيتقدم لانتخابات الرئاسة، لإدراكه أن ما يسمى «الكاريزما» ليس محفوظاً لصاحبه ببوليصة تأمين شعبية، وان التفريط باللحظة المناسبة يتسبب بتآكل شعبية أي شخص في الموقف ذاته.
هذا استنتاج فقط يحتكم الى مقدمات، وهو أن الفريق السياسي سيكون الرئيس السابع لجمهورية مصر.