أخر الأخبار
وقاحة “نتنياهو ليبرمان” ليس لها حدود
وقاحة “نتنياهو ليبرمان” ليس لها حدود

منذ البداية، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي لا يفتقر للذكاء ولا للحنكة، ولا للمراوغة والخداع، وحتى انه لا يفتقر للتجربة أيضاً، كان بنيامين نتنياهو يعلم أنه لن يسمح للمفاوضات مع الجانب الفلسطيني بأن تتمخض عن شيء جدي، لذا فقد أسند المهمة لعدوته السياسية اللدودة، تسيبي ليفني، حتى يتمكن هو بالأساس، ليس فقط من مواصلة الضغط على المفاوض الإسرائيلي، فضلاً عن الفلسطيني، بالطبع، ولكن حتى لو افترضنا جدلاً، انه رغم كل شيء، قد وجد نفسه "متورطاً" في تفاهمات أو توافقات بين الطرفين مع الراعي الأميركي، فإن بإمكانه أن يلعب دور "المعارض"، أي الذي لم يشارك في التفاوض، ويزيد من تشديد الشروط، وحتى الإبقاء على إمكانية التنصل مما يمكن أن تصل إليه ليفني مع الفلسطينيين وحتى الأميركيين، في أية لحظة، وفي أي وقت.
كل ما كان ينقص نتنياهو، عند الاتفاق على إطلاق هذه الجولة التفاوضية، هو أن يجد أفيغدور ليبرمان، الشريك المفضل لديه، على كل حال، على يمينه، حتى يتقاسم الرجلان الأدوار، ويمارسان مهمة الجوقة، التي تتناغم فيما بينها، لتعزف النشاز السياسي.
وحيث إن هذا الأمر قد تحقق الآن لرئيس حكومة اليمين الإسرائيلي المتشدد، بعد انطلاقة العملية التفاوضية، ولكن قبل أن تصل إلى لحظة الحسم، نجد هذا الثنائي، قد عاد للتناغم معاً، كما كان حاله قبل سنوات، نجحا خلالها بإيقاف عجلة المفاوضات نحو ثلاث سنوات متواصلة، ومن يتابع المشهد الرسمي الإسرائيلي، يلاحظ أن أعضاء الليكود أقل تناغماً مع رئيس حزبهم مما هو حال ليبرمان، ورغم أن وزير الدفاع موشيه يعالون، يمارس دور رافع العصا الأمنية، إلا أن خبرة ليبرمان، وكذلك "تاريخ" ثنائيته مع نتنياهو، تتميز بالقدرة على إثارة الاهتمام، والقدرة على طرح الاقتراحات المثيرة جداً للجدل السياسي، بهدف الزج باستمرار بالعقبات في طريق التفاوض، وبث الإحباط في المفاوضين، وحتى محاولة دفع الطرف الفلسطيني للغضب، وقلب الطاولة، وبالتالي تحقيق مأربهما، المتمثل بوضع حد للعملية التفاوضية ولكل فكرة الحل عبر اتفاق الجانبين، وبالتالي فتح الباب أمام إسرائيل لاختيار واحد من الخيارات المريحة: الحل من جانب واحد، أو الإبقاء على واقع الحال، كما هو، ولكن مع وقف المطلب الدولي، الأوروبي ومن ثم الأميركي بإيجاد حل للملف الفلسطيني، دون اللجوء للأمم المتحدة!
وفي اللحظة التي يهم فيها جون كيري إلى طرح فكرته للحل، عبر خطة سلام، بغض النظر عما يمكن تسميتها به، والتي قال عنها هو إنها ستكون عادلة ومتوازنة، والتي قبل طرحها، حرص الرجل على الذهاب إلى كل من عمان والرياض، ليقف عند حدود مواقف العاصمتين اللتين لموقفهما تأثير في غاية الأهمية على مستقبل تلك الخطة، يقوم الثنائي الحاكم الإسرائيلي - نتنياهو/ ليبرمان، بشد الحبل إلى آخر مدى ممكن، وكما يقول المثل "العيار الذي لا يصيب يدوش"، فإن لم تقم تلك المقترحات بحرف بوصلة التفاوض، بعد أن تم تجاوز قصة البحث في الحدود أم الأمن، أيهما أولاً، يقدم ليبرمان مقترحات، ليس فقط ليس لها علاقة بملف التفاوض بين الجانبين، والذي بدأ منذ أكثر من عشرين سنة، نقصد بذلك، الفكرة العنصرية، المتمثلة "بتبادل السكان" بين المستوطنين المقيمين على الأرض الفلسطينية منذ العام 67 دون وجه حق، وبفعل قوة الاحتلال والاغتصاب، والمواطنين العرب/ الفلسطينيين، المقيمين في وطنهم بشكل شرعي وطبيعي منذ آلاف ومئات السنين، أي قبل إقامة وإعلان دولة إسرائيل نفسها، لذا فلم يطرح هذا الأمر، مطلقا على طاولة التفاوض، في أي يوم من الأيام، فلماذا يتشدق به المعارض للعملية التفاوضية، وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدور ليبرمان، الآن؟، وحتى تكتمل معزوفة النشاز السياسي، يطالب نتنياهو الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، والسؤال هنا هو، لم لا يطالب بهذا الأمم المتحدة، وحتى الولايات المتحدة نفسها، وهل سبق لإسرائيل وأن اعتبرت هذا الأمر شرطاً لاعتراف أية دولة في العالم بها!
أغرب ما في الأمر أن نتنياهو - رأس الحكم في إسرائيل الآن - يتهم السلطة الفلسطينية بشن حملة تحريض على الكراهية، وفي الوقت الذي يصر فيه على أن القدس والخليل وهي مدن فلسطينية محتلة بالقوة العسكرية من قبل إسرائيل العام 1967، إنما هي مدن إسرائيلية، معتبراً أن رفض الفلسطينيين الاعتراف بيهودية إسرائيل إنما هو إنكار لحق إسرائيل في الوجود، السؤال هنا هو بماذا يعترف نتنياهو للفلسطينيين من حقوق، هل يعترف بحقهم في دولة ضمن حدود، أم أن وقاحته هي التي بلا حدود، حين يطالب الجلاد، وهو هنا هو بالتحديد، الضحية أن تعترف بحقوق مفترضة، لا يقره فيها أحد، بينما لا يعترف هو للضحية بحقها في الحياة والوجود الطبيعي، في دولة مستقلة!
قد تكون هذه الوقاحة السياسية مشكلة بالنسبة للفلسطينيين، لأنها تبعد حلاً ممكناً، يتطلعون إليه لوقف معاناة مستمرة منذ عقود، لكنها في الوقت نفسه مشكلة إسرائيلية، لأنها تبعد بالقدر نفسه، لحظة تحول الإسرائيليين إلى أناس عاديين أو طبيعيين، متحررين من مرض الاحتلال، وتطيل فترة عزلتهم عن المحيط، الذي إن كان يكرههم، فليس السبب التحريض من أي أحد أو من أية جهة هنا أو هناك، بل السبب هو الإسرائيليون أنفسهم، حين يتبعون سياسة فرض الذات بالقوة، وأخذ الأرض بالاحتلال، وقهر الآخرين بالقمع والإكراه، وحيث إنه لا مفر من الانسحاب، وحتى هذا برأينا الشخصي، لا يكفي، فلا بد أيضاً من تحول داخل طبيعة دولة إسرائيل نفسها، ينزع عنها - بالذات - صفة الدولة اليهودية.