أخر الأخبار
كيف يغير الزواج من سماتك الشخصية ؟
كيف يغير الزواج من سماتك الشخصية ؟

عمان - الكاشف نيوز

قد يلاحظ العديد من العزاب الذين يرفضون إقامة علاقات عاطفية جدية كيف أصبح أصدقاؤهم المتزوجون لا يطاقون، وكيف باتوا مدعاة للضجر والملل، لكن هل صحيح أن الزواج يغيرنا بهذا الشكل؟

في مشهد من فيلم "مذكرات بريجيت جونز"، ورد هذا السؤال: "لماذا نجد عدداً كبيراً من النساء غير متزوجات وهن في الثلاثينيات في أيامنا هذه، يا بريجيت؟"، وهو سؤال مألوف لكل من وجد نفسه في يوم ما وحيداً في غرفة تكتظ بأصدقاء متزوجين.

وفي حين لم يتوصل علماء النفس إلى إجابة حول ما إذا كان الزواج يجعل الناس راضين عن ذواتهم أكثر، مثل أصدقاء بريجيت المتزوجين، أم أن من لديهم ثقة في الذات هم على الأرجح من يقبلون على الزواج، فإن الأبحاث تشير إلى أن خبرة الارتباط بعلاقة مع شخص آخر والاستقرار معه تغير حقاً من شخصياتنا، سواء نحو الأفضل أو الأسوأ.

إن الارتباط العلني بعلاقة مع شخص آخر يقتضي التفكير المسبق، والولاء لهذا الشخص، بغض النظر عن التغيرات الجذرية التي قد تحدث في نمط الحياة بالنسبة للبعض. وبالطبع سيعني ذلك أن تعيش أيامك مع نفس الشخص، وأحياناً بدونه، مما يتطلب منك التحلّي بدرجات معينة من الصبر واللباقة.

إن الأبحاث المتعلقة بفكرة تأثير الزواج على شخصية الفرد نادرة بشكل مدهش على أرض الواقع. ولعل أفضل الأدلة المتوفرة لدينا تأتي من دراسة ألمانية أجريت مؤخراً، وشملت 15 ألف شخص، وركّزت على التغير في شخصية الفرد على مدى فترة من الزمن دامت أربع سنوات.

والأهم أن 664 من المشاركين عقدوا قرانهم خلال فترة تلك الدراسة، مما أتاح لجول سبيكت وزملائها من جامعة مونستر (بألمانيا) أن يروا كيف تغيّرت شخصياتهم مقارنة بغيرهم ممن شملتهم الدراسة من غير المتزوجين.

وتوصل الباحثون إلى أن المشاركين الذين تزوجوا أظهروا تناقص خصال معينة، مثل انشراح النفس، والصراحة فيما مروا به، مقارنة بالآخرين.

ان هذا الفارق معتدلاً نسبياً، ومع ذلك، قد يقدم أدلة ملموسة تدعم الشكوك التي تراود العزاب بأن أصدقاءهم المتزوجين ليسوا سعداء تماماً كما كانوا في السابق.

وهناك دراسة أمريكية سابقة تدعم هذا الاتجاه أيضا، وقد نُشرت في عام 2000، واختبر فيها الباحثون مرتين الخصال الشخصية لما يزيد عن 2000 مشارك، خلال فترة امتدت بين ست إلى تسع سنوات.

وخلال تلك الفترة، عقدت 20 امرأة من هؤلاء المشاركين زواجها، بينما طلقت 29 امرأة من بينهم. وقد أظهرت النساء المطلقات، مقارنة بالنساء المتزوجات خلال تلك الفترة، انشراحاً وانفتاحاً متزايداً، وكأنهن قد تحررن من قيود الزوجية.

وعلى النقيض من ذلك، أظهر الرجال حديثو الزواج محاسن وصفات إيجابية مقارنة بغيرهم من المتزوجين منذ سنوات، وحصلوا على علامات أفضل فيما يتعلق بارتياح الضمير، ودرجات أقل من الاضطرابات النفسية.

ويبدو أن تعزيز ارتياح الضمير لدى الرجال المتزوجين كان أمرا طبيعيا. وسيعرف كل من كان متزوجاً أن الحفاظ على سفينة الزوجية خلال سيرها في مياه الحياة المتقلبة، سيتطلب مهارات محددة. ومن المؤكد عندها أن الزواج سيصقل تلك المهارات، وهذا ما توصلت إليه بالضبط دراسة جديدة نُشرت خلال 2017.

ويقول فريق من علماء النفس الهولنديين، ترأسهم تيلا برونك من جامعة تيلبورغ، إن اثنتين من أهم المهارات أو الخصال الزوجية هي القدرة على ضبط النفس (أي القدرة على التحمل من أجل الحفاظ على علاقة زوجية طويلة الأمد)، والقدرة على المسامحة (من أجل تجاوز كل الأوقات التي يقع فيه الشريك في زلاّت وأخطاء).

وقد اختبر الباحثون 199 من المتزوجين حديثاً، وخلال ثلاثة أشهر من الزواج، قاسوا مدى تسامح كل منهم تجاه شريك حياته. ثم أعاد المشاركون هذه التقييمات كل سنة، وذلك لمدة أربع سنوات أخرى.

وقد أظهرت النتائج أن مهارات التسامح وضبط النفس زادت لدى المشاركين على مدى الدراسة. وبلغة الأرقام والإحصاءات، فإن زيادة التسامح كانت معتدلة بينما كانت الزيادة في ضبط النفس أقل.

لكن برونك وفريقها أشاروا إلى أن مهارة ضبط النفس حققت تقدما مماثلا مع من أكملوا برامج نفسية معدّة خصيصاً لتطوير هذه المهارة والتدرب على التحلي بها.

وماذا عن الشعور بالرضا عن الذات الذي يظهره المتزوجون أحياناً؟ إن أكثر الدلائل ذات الصلة بهذا الأمر تأتي من دراسات حول كيفية تغير مشاعر الرضا عن الحياة، أو مشاعر السعادة، بعد الزواج.

فالعزاب من أمثال بريجيت جونز، وهي في الثلاثينيات من عمرها، سيكونون سعداء عندما يعلمون أنه مع ازدياد الشعور بالرضا في الفترة التي تعقب الزواج، فسوف يعود هذا الشعور غالبا إلى المستويات السابقة التي كان عليها، بعد مرور نحو سنة أو أكثر قليلا، على الزواج.

كن رغم ما ذكر، فإن ذلك قد لا يمثل حقاً حال الجميع. إذ تشير بعض الدلائل إلى أن الزواج يغير من سعادة الفرد بدرجات متفاوتة وفقا لخصاله الشخصية قبل الزواج.

وبالنسبة للبعض، يبدو أن الزواج يوفر دفعة ثابتة للسعادة، وخاصة لدى النساء الانطوائيات والرجال المنفتحين، الذين يتصرفون وفق ما يمليه عليهم الضمير، فهؤلاء يظهرون تنامياً مستمراً لفترة أطول في مشاعر الرضا عن الحياة بعد الزواج.

ومن المحتمل أن يعود ذلك إلى ملائمة نمط الحياة الزوجية الجديد لهذين النوعين من الشخصيات، مع أن هذه الأدلة تحتاج أيضا لمزيد من الدراسة.

وأخيراً، ماذا بخصوص الفكرة الشائعة بأن المتزوجين يتطبعون بالخصال الشخصية للطرف الآخر على مرّ الزمن؟ من المؤكد أن الأمر يبدو كذلك عندما تشاهد زوجين من كبار السن وهما يرتديان ملابس أو بدلات رياضية متطابقة بشكل قد يثير الضحك.

ربما يكون الأمر مجرد خرافة منتشرة بيننا. لكن عندما قيّم الباحثون من جامعة ولاية ميشيغان السمات الشخصية لأكثر من 1,200 متزوج، لم يتوصلوا إلى أدلة قوية تدعم هذا الاعتقاد. والحقيقة هي أن الأشخاص من ذوي السمات الشخصية المتشابهة يميلون على الأرجح إلى الزواج من بعضهم البعض من الأساس، وهذا ما قد يجعلهم كذلك طوال حياتهم.

وإذا أخذنا جميع ما سبق في الاعتبار، فإن الدراسات تشير إلى أن الزواج قد يؤدي بالتأكيد إلى تغييرات خفية في الشخصية، غير أن هذه التغييرات قد لا يكون لها علاقة بما يحدثه الأطفال الرضع من إزعاج في حياة الأزواج.