أخر الأخبار
تفويض فخذلان.. ووطن ينزف
تفويض فخذلان.. ووطن ينزف

أبناء الوطن الواحد.. الدم الواحد.. القضية الواحدة.. أبناء فتح- شهيدنا القائد عرفات: ماذا حلّ بنا وطنيًا، وسياسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا، واجتماعيًا؟

سؤال موجع، وإجابته مؤلمة، وددت لو نحيتُ نفسي عنها، ولم أتطرق له، ولكم تمنيتُ (إخوتي) ألا أسوق هذا الكلام، ولكن ليس لها من دون الله كاشفة!

سؤالي هذا يعود بي كثيرا بذاكرة مستبدّة لـأحد عشر عامًا عندما كنت في عمر الـتاسعة عشر متأهبًا، مستعدًا (كل وقت وحين) تفويض ووَهْب صوتي وكلي ثقة برئيسي محمود عباس، فخورًا ومعتزًا مثلي كباقي السواد الأعظم في حركتنا، حركة فتح، الأبية الشامخة، وطني العزيز دائمًا وأبدًا، وكنت حينها متأكدًا من قناعاتي بأن على يديه (بإذن الله) سيتحقق ولو جزء من حلمنا الكبير عبر تنفيذ برنامجه الانتخابي؛ مدافعًا عنه، مساندًا له ولبرنامجه، ملبيًا نداءه، ولم يخطر ببالي يومًا أن أنزع منه يدي..

ولكن (وكلي أسف) ما الذي غيّر فكري نحوه، وبدّل قناعاتي تجاهه، وأوقف جماح بُشرى تطلعاتي لإجراء الخير على يديه لوطننا وحركتنا؟ فما الذي جنته يداه نحونا جميعًا في الجنوب والشمال؟ كيف انهار معه كل شيء في وطننا، وضاعت أحلامنا، وطموحاتنا، بل الأسوأ زهرات شبابنا؟!

لا أملك (مثل كثيرين من جموع الشباب الغزاوي) إلا أن أطرح الأسئلة، مصارحًا نفسي عبر الواقع والمشهد العام المحزن، الذي حل بنا.

فبعد أن خاب التنبؤ، وبُددت الثقة، وتكسّرت أبواب الأمل، واكتفى متفرجًا، ثم ممسكًا معول هدم لوطننا.. وبعد أن ظهر المستور ليس مرة واحدة، بل على مراحل، فلا نملك سوى تقديم الأعذار علّنا نتقدم، ونستيقظ من غفلتنا، ولكن بلا فائدة.. سراب وفقط!

ماذا حل بنا (أصدقائي) خلال هذا الوقت الضائع المبكي من عمرنا؟ كيف أصبحنا نقدم (بكل جرأة)، زهرات شبابنا لمثل هذا الواقع المرّ بدلًا من أن ندفع به في تضحيات؛ فداء للوطن... إلخ؟

سيدي الرئيس! اعذرني إن فوّضتك (يومًا) بشيء، وعهدت نفسي به لك أمامك، أو لما تُمليه عليّ حركتنا، فقد كنتُ شابًا حالمًا، متطلعًا، يفكر ويأمل أن نزدهر معًا، لنسير باتجاه القدس، وشغوفًا لمستقبل يتسع لنا جميعًا، متسلحين بإرادة قوية، ووحدة وطنية متماسكة، نمارس فيها حقوقنا تحت سماء وطن واحد، وبيت واحد، وأسرة واحدة، ونقدم واجباتنا والتزاماتنا الأخلاقية والوطنية بما حُملناه من مسؤوليات حركتنا فتح.
واليوم، وبلا استثناء، جميعنا بقلب دام، وقهر عشش في القلوب والعقول، يعيش قلقًا، وتوترًا، واضطرابًا، وهمًا، ويأسًا، لأسوأ مرحلة يمر به وطننا الجريح، وحركتنا..

جميعنا (يا سادة) نجلس واجمين، وجلين، نفكر، ونفكر، ثم نفكر!.. تسيطر علينا التخوّفات التي لم يعد مصدرها العدو فقطـ (ويا ليتها!) بل ممن ذهبنا فرحين سعداء، آملين توّاقين نقدم له أصواتنا؛ تأييد غير المتقاعس أو المتخاذل.. إلى أن أتانا الليل الحالك، فأصبحت حياتنا مختصرًا للأرق، والتفكير، والوحشة، وملاذًا للأسى، والتعاسة، والتفجّع، ودمع لا ينقطع، سواء كان في حاضر كئيب لا يملك أي ملامح أو بشائر، أو مستقبل عشوائي متربص بنا..

باختصار.. ما الوطن؟ هو لست أنت وأنا، وهو وهم، الوطن الحضن الدافئ، والعشق الدائم.. الوطن الاستقرار، والأمان، والطمأنينة، فهو الّذي يحتوي جميع أبنائه، ويكون لهم ملجأً ومسكنًا لهم في جميع الأوقات.. لنا حقوق وواجبات تجاهه، فهو الأم الرؤوم التي تذب عن أبنائها، وتدافع عنهم من أيّة مخاطر تحدق بهم..

والآن.. ماذا فعل حارس الوطن، وحامي حماه.. وماذا فعلنا نحن، ونفعل اليوم؟!