أخر الأخبار
مَسيرة العَودة قد تفتَح المَجال للدّولة الوَاحِدة
مَسيرة العَودة قد تفتَح المَجال للدّولة الوَاحِدة

من المُهم، وإذا مَا حسُنت خِيارات الشّعب الفِلسطيني في هَذه المَرحلة فإنّ مَسيرة العَودة وما تحمِل مِن أُفق شَعبي جَماهيري قد تكُون لحظةً فارقةً فِي مرحَلة في مُنتهى الخُطورة والتّحدي للشّعب الفِلسطيني والقضيّة الفِلسطينية، ولكن مِن المُلاحظ وهذا ما يُمكن أن يُجهض هذا التّوجه إذا ما اكتَسب التّحرك الوَجه الفَصائلي والإدارة الفَصائلية التي قد تكُون بشكلٍ أو بآخر لَها أُفقٌ مَحدُود ومُحجّم في حُدود المنظُور الإقلِيمي والدّولي.

عِندما تعثّرت المُفاوضات بين أبُو مازِن ورئيس وزراء الإحتِلال نَاتنياهو وفي أحد زِيارات هيلاري كلينتون للأرَاضي المُحتلة وكما ذَكَرت في مُذكراتِها وجّهت عِدة أسئلة لناتنياهو، فقالت له:"ماذا لو تحرك الفلسطينيون سلميًا بالأعلام البيضاء بالملايين نحو الحدود، ماذا أنتم فاعلون؟ ولذلك وقبل أن يحدث هذا الحدث وهذا النضوج الفلسطيني، يجب عليكم أن تضعوا عدة تنازلات للفلسطينيين، وإذا ما حدث هذا التحرك فان مفاعلات ديمونا وصاواريخكم ودباباتكم لن تنفع شيئًا إذا ما واجهتم الأعلام البيضاء بمدفعياتكم وطائراتكم أمام المجتمع الدولي".

قَبل أن تكُون رُؤية هِيلاري كلينتون المُعبّرة عن المَأزق الإسرائيلي والتطرّف الأعمَى الإسرائيلي فقد تمّ تناول مَسيرات العَودة عَبر سنوات عَديدة من قِبل نُخب فلسطينيين وأذكر في إحدى المَقالات مُنذ أكثَر مِن 7 سَنوات أنني قد ذَكَرت هَذا التّحرك الذي يحتَاج إلى تعبِئة شَعبية ونُضوج سِياسي ووعيٍ إقليمي لفَرض مُعادلة جَديدة على الواقِع الدّولي، وقد أُعيد هذا التّصور من جَديد، قد يكُون التّحرك في يوم الأرض هو نَوع مِن النّضُوج الوَطني والوَعي الوَطني وبشكلٍ آخَر هو إعتراف فَصائلي بالفَشل وإنحدَار في السّلوك والمُمارسة السّياسية والنّضالية عبر عِدة سَنوات أو عُقود، قبل أعوامٍ قَليلة تحرّك الفلسطينيون في الخَارج في يوم الأَرض نحو الحُدود مع الأرَاضي المُحتلة في الجَنوب اللبناني وفي سُوريا، وواجَهت إسرائيل هذا التّحرك بالرّصاص، ولكنّها كَانت تحرّكات رمزيّة طَلائعية لا تنُم عن تحرّك شَعبي جَامع، أمّا اليَوم وعِندما قرّرت حَماس وبَعض الفَصائل هذا التّحرك الذي سُمي مَسيرة العَودة الكُبرى فإنّنا أمَام حيثيّتين أن نتحرّك لتحرِير الأرض بالكِفاح المُسلح والمُقاومة والعَتاد التّكنولوجي للوُصول إلى تَوازن في الرّعب مَع الإحتلال لكي نَفرض جُزء من المُعادلة الفِلسطينية ضِمن أُفق دَولي بالاعتِراف ب242 و338 أي بحل الدّولتين، في حين أنّ حَل الدّولتين قَضى عليه الاستيطَان تمامًا والسّياسية الإسرائيلية والأمريكيّة والأوروبية وصَمت الدّول العربية، فهل يُمكن لِتوازن الرّعب أمَام حِصار غزّة أن يُحدث تَوازن سِياسي ليفرِض مُعادلة على الإقليم والمُجتمع الدّولي، لا أعتقد ذلك، أمّا الخِيار الثّاني وهو التّحول إلى فِكرة الجَماهير والحَالة الشّعبية التي قد تجِد من يستَمع إليها دوليًا وإقليميًا وتُحرج أمِيركا التي تُسمّي نفسَها راعية الدّيمقراطية والحرّية وتُحرج إسرائيل كَما قَالت هيلاري كلينتون، ولكن كَيف يُمكن أن تكُون لهذه المَسيرة أن تحُقق أهدَافها وأن تنجَح، أهي بالحَالة الرّمزية من نَصب الخِيام والحَالة المُرتبة وبأفُق محدُود سياسيًا وأمنيًا في ظل إحتِواء أي عمليّة تخرج عن ذلك، وهي مُحدّدات قَد ألزَمت فِيها دول إقليمية حَماس والأُخريات بهَذا المَنطق وبهذا السّلوك، فمسيرَة العودة عَمل قد يكُون ناجحًا في القَرن الواحِد والعشرين وهي التّحرك السّلمي الذي يقبل التّضحية بعدّة آلاف مِن الفلسطينيين كي يفرِضوا مُعادلتهم على دِول الإقليم والمُجتمع الدّولي ويجعَل إسرائيل تخفِض من تصلّبها حَول يهوديّة الدّولة وأمّا خِيار حلّ الدّولتين بانسِحاب المُستوطنات بِدون تبادليّة في الأرَاضي أو القُبول بدولة واحِدة ذات المُساواة في الحُقوق والواجِبات والتّمثيل في داخل الدّولة، أو كما يُمكن أن يُرتب له بفدراليات أو كونفدراليات تَحفظ حُقوق اللاجئين بالعَودة إلى وطَنهم هكذا قد أرتئي مَسيرة العَودة بأفُق سِياسي يَختلف عمّا رَتبت لهُ الفَصائل.

مَسيرة العَودة حسب ما أرى مُنظميها تكاد تكُون مِن فَصيل واحد، وهذا يُجهض فِكرتها الشّعبية والجَماهيرية وهُو خَطأ جَسيم في تَصويب الهَدف، فمَسيرة العَودة يجب أن يكُون عُمقها شَعبي وذات فَعالية وبَرنامج سِياسي وإداري يحتَوي على مَرحليات من التّحرك نَحو استراتيجيّة مُتكاملة تأخُذ في حُسبانها التّغير في مَواقف الإقليم والمُجتمع الدّولي، ومَسيرة العَودة وكما أتصوّرها بعد غدٍ سَنرى فيها من سَعوا للمنظرة والتقَاط الصّور والخُروج على الفَضائيات، هي نفس الوُجوه ونفس ما يُسمى بالنّخب المُغذية بالحَليب الصّناعي، واستعرَاض لشخصيّات هذا الفَصيل أو ذاك، فمِن المثهم أن تختَفي تلك الوُجوه في هذه المسيرة، لتخرُج شخصيّات جَديدة ونُخب جَديدة ذات عُمق وطَني شَعبي غير مُنتمي لتلك الفَصائل التي تُحاول أن تَلبس ثوبًا شفافًا لتُخفي بعض عجزِها وفَشلها عبر عُقود، وهذا هُو المَطلوب فليس هُناك مَجال في هَذه المَسيرة ذات الأهداف السّامية أن يُعبر عَنها عَبر الفَضائيات والمِذياع بشَخصيات ذَات حَليب صِناعي.