أيام خداعات و ينفض السامر
قبل كل شيء يجب التأكيد على أن الكيان المعنوي للشعب الفلسطيني و ممثله الشرعي و الوحيد هو منظمة التحرير الفلسطينية لا أحد يحق له أن ينازعها أو يشكك في هذا المنجز الوطني الذي سالت دفاعا عن حياضه الدماء الطاهرة ، ولا يحق لأحد مهما كان ( حركة – حزب – تنظيم – أشخاص – جماعة ) أن يقصي أي فلسطيني عن الإنتساب لها و المشاركة فيها بما يمثل ، فهي وطن معنوي و إطار جبهوي جامع و شامل يعبر عن الهوية النضالية و التحررية للفلسطينيين أينما وجدوا على مشاربهم و أطيافهم السياسية و الفكرية و العقائدية ، مسموح و مباح الإختلاف فيها و معها و لكن من المحظور و المحرم الإختلاف عليها بصفتها التمثيلية .
غير أن قوة هذا الكيان المعنوي و فاعليته يكتسبها من حجم الإلتفاف الجماهيري من حوله و إتساع قاعدة المشاركة في مؤسساتها و أطرها التنفيذية و السياسات التي تعتمدها و تنطلق منها في معالجة الشأن الوطني ، لذلك بدأت المنظمة إلى حد كبير تفقد دورها و بريقها و هيبتها بعد توقيع إتفاقية أوسلو و إنشاء السلطة الفلسطينية على جزء من الأراضي المحتلة 1967 ، حيث حظيت السلطة الوليدة بصدارة الإهتمام المحلي و الإقليمي و الدولي ، علما بأنها تعتبر ذراع تنفيذي للمنظمة و أقيمت يقرار منها ، وهي مرجعيتها الأصيلة في كل ما تقوم به من مهام و مسؤوليات ، إلا أن الأمور سارت في سياق مختلف بالرغم من سعي الزعيم الراحل أبو عمار الدائم لحفظ مكانة المنظمة و دورها الإستراتيجي ، وهو ما تراجع إلى حد بعيد منذ تولى الرئيس أبو مازن زمام السلطة و أصبح على رأس الهرم السياسي الفلسطيني مما أدخلها في حالة موات و شلل و أفقدها الفاعلية و الدور و التأثير في حياة الفلسطينيين بالداخل و الخارج ، و أفرغت من مضمونها النضالي و القيادي ، و أصبح يتم إستدعائها و عقد الإجتماعات لمؤسساتها مرتبط بحساباته السياسية و الشخصية ، وحتى إذا إتخذت قرارات أو توجهات سياسية في هذه الإجتماعات اليتيمة و المتباعدة لا يؤخذ بها ولا يلتزم بها أبو مازن بإعتباره رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة.
على نفس القاعدة يأتي إستدعاء عقد المجلس الوطني في رام الله هذه المرة تحت شعار تجديد شرعية الأطر القيادية فيها و تفعيلها ، و العجب العجاب أن من لا يحترم هذه الأطر و لا يلتزم بمقرراتها سواء في اللجنة التنفيذية أو المجلس المركزي من يختبىء وراء هذا الشعار الذي هو حق يراد به باطل ، صحيح أن مؤسسات المنظمة بحاجة لتطوير و تفعيل و منحها الدور الطبيعي في قيادة نضال الشعب الفلسطيني ، ولكن من تسبب في شللها و أدار لها ظهر المجن خلال 13 عام أي الرئيس أبو مازن جاءه الوحي و عاد لطريق الصواب فجأة أم أن هذا الإنعقاد لغاية في نفس يعقوب و فقط يريد إستخدام الأمر في إطار توجهاته السياسية و الشخصية و ترتيب الأوراق للمرحلة المقبلة بما يضمن له تجديد شرعية وجوده و تعزيز نفوذه و سيطرته على مفاصل القرار الوطني بعد أن تم له ذلك في حركة فتح و عقد ما يسمى "بالمؤتمر السابع" و يده المطلقة في السلطة بعد أن جمع بين يديه الصلاحيات المطلقة على مؤسساتها التنفيذية و التشريعية و القضائية ، كما يستغل الرئيس أبو مازن عقد المجلس الوطني لإبعاد خصومه و معارضيه السياسيين و إعادة صياغة العضوية و الزج بالمئات من الأعضاء الجدد للحصول على ما يريد و يتمنى من إحكام قبضته على مخرجاته و مدخلاته ، لدرجة أنه بات معروفا هوية الأعضاء الجدد من المرشحين لعضوية اللجنة التنفيذية و نفس الشيء الصيغة النهائية للبيان الختامي و القرارات الصادرة عن المجلس قبل إنعقاده.
يعتبر أعضاء المجلس التشريعي الـ 132 مكون رئيسي من أعضاء المجلس الوطني أكثر من ثلثيهم لن يحضر أو يشارك فيه جلساته بسبب معارضتهم و رفضهم إنعقاده بالصيغة القائمة بعيداً عن التوافق الوطني الذي تم في الإجتماعات التحضيرية للمجلس بالعاصمة اللبنانية بيروت في يناير الماضي ، و إنضم لهم عدد كبير من أعضاء المجلس الوطني في الداخل و الخارج ، كما أن الجبهة الشعبية وهي الفصيل الثاني في المنظمة قررت أيضا عدم المشاركة ، إلى جانب حركتي حماس و الجهاد الإسلامي و ما تمثلانه من ثقل جماهيري و سياسي هما خارج منظمة التحرير الفلسطينية ولن يحضر الطرفان "حفلة البيعة و التصفيق المتوقعة في رام الله" ، وللتحايل على هذا الواقع الرافض لعقد المجلس بالصيغة المطروحة تم إستجلاب أعضاء على فرازة الولاء و الطاعة ، و تزوير عضويات و إقصاء إعضاء وجودهم ينغص على الرئيس ، لذلك من حق الجميع أن يتساءل عن شرعية المدخلات و المخرجات الناتجة عن هذا الإنعقاد وهل تمثل إرادة الفلسطينيين في ظل هذا الغياب و الرفض المعلن للمشاركة في مسرحية إستعراضية الممثل الوحيد و المخرج الرئيس هو أبو مازن الذي إستعان بجوقة من الكومبارس و الديكورات الفصائلية التي لا وزن لها في الشارع الفلسطيني ؟؟؟
حتى لو مارسنا دور الإستعباط و سلمنا أن النوايا طيبة و جدية ، و أن الهدف من إنعقاد المجلس خارج التوافق و الإجماع الوطني هو حماية الحق الفلسطيني و التصدي للمخاطر المحدقة بالقضية الوطنية و تجديد و تفعيل مؤسسات المنظمة ، بالتجربة لا يمكن الثقة بالرئيس أبو مازن في تنفيذ قرارات المجلس الوطني و لن يلتزم بها كما فعل مع قررات اللجنة التنفيذية الحالية والمجلس المركزي في دورتين سابقتين خصوصا فيما يتعلق بالتنسيق الأمني مع إسرائيل و إعادة النظر في الإتفاقيات المبرمة و الإعلان عن فلسطين دولة تحت الإحتلال و تجسيد القرار الأممي بهذا الصدد و ترجمته على أرض الواقع ، وكيف لنا أن نثق به وهو يمارس أبشع أنواع العقوبات الجماعية والإنتقامية ضد شعبه التي ترقى إلى مستوى "جريمة حرب" حسب القانون الدولي الإنساني تستحق المحاكمة ، و يشارك بشكل مجنون في حصار قطاع غزة و أهله ، و يستثمر الخلاف و الإختلاف على المحاصصة مع حماس للتخلي عن مسؤولياته الطبيعية إتجاه مليوني فلسطيني.
إجمالا أيام معدودة و ينفض السامر من المقاطعة ، ويحصد من يحصد الهبات و العطايا و الترقيات و الترضيات ، ويتم طردهم من الفنادق بعد إنتهاء المهمة التي جاؤوا من أجلها كما حصل مع عرابي ما يسمى "بالمؤتمر السابع" ، و كما يقول المثل لن يصلح العطار ما أفسد الدهر ، الرئيس أبو مازن سيعود إلى سيرته و سلوكه أكثر تفردا و دكتاتورية و يحتكر القرار الوطني بكل المناحي وعلى مختلف المستويات ، أما منظمة التحرير الفلسطينية وفق كل التقديرات لن تخرج من الشرنقة التي وضعت بها ، ويتم وضعها في ثلاجة الرئيس يستخدمها وقت الحاجة في مواجهة خصومه و معارضيه بإعتبارها فزاعة الدفاع عن شرعيته الشخصية كونه يدرك بأن الخلاف عليه و الإختلاف معه و ليس على شرعية ووحدانية التمثيل الفلسطيني ، ولن يتغير حالها ما دامت تعتمد بالكامل و تعيش على موازنات مالية محدودة يتم رصدها من قبل وزارة المالية في حكومة الرئيس الحاكم بأمره يمنع و يمنح كما يشاء و متى شاء.
بالرغم من كل ضبابية الحالة الفلسطينية و الرفض الكامل لساسيات الإستفراد بالقرار الوطني و الإستحواذ على مقدرات المنظمة و السلطة و حركة فتح من قبل الرئيس أبو مازن و حاشيته المحيطة به، لابد من النضال على الصعد كافة من أجل إستعادة منظمة التحرير لدورها القيادي و الطليعي في مسيرة النضال الوطني و تعزيز صفتها التمثيلية بأكبر إجماع شعبي و توافق فصائلي يضم كل القوى الحية في الشعب الفلسطيني لمواجهة التحديات المصيرية بالإستناد إلى برنامج وطني شامل يعيد إتجاه البوصلة الكفاحية إلى شمالها الطبيعي.