أخر الأخبار
الدستور المصري وحقيقة الموقف
الدستور المصري وحقيقة الموقف

بورك للمصريين دستورهم المعَمّد بإرادتهم الشعبية. إنه خطوة على طريق استعادة الاستقرار، وهيبة الدولة ودورها، وهو وثيقة العقد الاجتماعي، التي تحمي الناس وتحفظ لهم خصوصيتهم وحقوقهم في الحرية وفي المواطنة المتساوية. فالدستور الذي أقبل عليه المصريون أمس بكثافة، يمثل منظومة القواعد التي تحدد شكل الدولة، وشكل الحكومة وتنظم السلطات العامة، وتحدد اختصاصاتها على النحو الذي يضمن الفصل بينها. ثم أن الدستور ـ أولاً وقبل كل شيء ـ يضع الفارق البيّن، بين الدولة والحكومة، لكي يعرف الطامحون الى الوصاية على الأوطان وعلى إيمان المؤمنين، أن التداول الديمقراطي على السلطة، لا يكون إلا في إطار الدولة المحايدة التي تهتدي بدستور مدني وعصري ومتطور، وأن الفوز في دورة انتخابية، لا يجعل الفائز صاحب أدنى حق في أخذ الدولة وكل المجتمع الى فسطاته!

جماعة "الإخوان" خسرت الرهان، ولم يكن المراقبون يشكون في ذلك، لأن "الجماعة" أضاعت فرصتها بسبب قراءتها الرديئة للواقع، منذ أن تعاملت برعونة وغباء مع إطاحة مرسي من الرئاسة، بتفويض شعبي لا يخطئه إلا مكابر. وفي الحقيقة لم يخسر "الاخوان" فرصتهم وحسب، وإنما خسروا عدداً من الفرص على كل صعيد، حتى باتت الغمامة على عيونهم، ولا يرون المستقبل إلا من خلال شاشة "الجزيرة" ذات الصور المهزوزة وغرفة تحرير الأخبار الكذوبة. وكانت حماقة قادة "الإخوان" ورعونتهم مستغربة بالنسبة لمن يعرف تاريخهم الذي اتسم بالدهاء والتحايل، وبالمسايرة مع الانحناء كلما هبت الرياح، والجموح والبذاءة كلما صفا لهم المناخ. لم يستغرب أحد شطط مجموعات نخبوية، سواء من تلك الحزبية الناشئة حديثاً، أو "الثورية" الرومانسية المنبثقة عن "ثورة يناير". ذلك لأن هذه المجموعات لا خبرة لها، وإن كان لديها الكثير من نبل المقاصد، لكنها لم تأخذ في الحسبان المخاطر الاجتماعية ـ الاقتصادية لتردي الأوضاع في فترة حكم "الإخوان"، وضرورة تدخل الجيش، التي أملتها كل التداعيات والتطورات التي عصفت بالاستقرار في البلاد.

معلوم أن "الإخوان" لم يألفوا التسليم بالحقائق ولا الاعتراف بالأخطاء. بالتالي هم لن يعترفوا بأن إقبالاً شعبياً على صناديق الاستفتاء على الدستور قد حدث في مصر. ولن يعترفوا بالأرقام التي تتمخص عنها الصناديق. هذا إن لم يكونوا غير مستعدين للاعتراف بأن المواطنين الذين ذهبوا الى صناديق الاقتراع، هم من البشر الطبيعيين ومن ذوي الحقوق الدستورية. فعلى امتداد سنوات الحلم القومي وأيام ريادة مصر عربياً وإفريقياً وإسلامياً، لم ير "الإخوان" في الملايين الحاشدة، التي أحبت جمال عبد الناصر، سوى بشر مكرهين كانت أجهزة الأمن تنقلهم في شاحنات لكي يؤدون التحية للزعيم العربي. وكلما حدثت واقعة، كان لهم فيها قول آخر وتوصيف مجاور، علما بأنهم لم يعرفوا في تاريخهم سوى الدسائس الأسرار والباطن المغاير للظاهر، والتحالف مع أصحاب أردأ السياسات وأوثقها تحالفاً مع الاستعمار!

أنكروا حقيقة "30 يونيو" كحدث مشهود، تدفقت فيه الملايين، تلقائياً لكي تعلن رفضها لحكم "الإخوان" ولرئاسة مرسي. وسرعان ما جرى الحديث عن "حكم عسكري" وكأن هناك حكومة تشكلت من ضباط أدت اليمين الدستورية أمام شاويش نفذ انقلاباً ونصّب نفسه رئيساً، مثلما فعل "صموئيل دو" في ليبيريا في الثمانينيات. وكلما كان "الإخوان" يوغلون في البذاءة؛ كانت الناس تنفض عنهم أكثر فأكثر. وليت الأمر قد توقف عند حدود البذاءة. فقد وقعت الطامة الكبرى، وهي التحريض على العنف وممارسته، والتحالف الضمني مع الارهاب الاسلاموي، الذي هو أقبح ما أفرزته الرزايا في العالم العربي، وأبعد الظواهر الطفيلية عن الحرية وعن كرامة الإنسان. لقد أوصل قادة الجماعة تنظيمهم الى الحضيض على كل الأصعدة، وخسروا تماما ونهائياً!

في الأسابيع الأخيرة، كان الناس يتمنون تكراراً لـ "30 يونيو" لكي يقتنع العالم أن "الإخوان" مرفوضون، وأن موقف الشعب المصري منهم لا رجعة عنه. ولعل الاقبال على الاستفتاء أمس، يحققون أمنية التكرار. لقد عاد المصريون بالملايين، لكي يسجلوا موقفهم، ولكي يرسخوا الحقيقة التي لم تستطع "الجماعة" دحضها!