أخر الأخبار
إسمها عقوبات و ليس خلل فني
إسمها عقوبات و ليس خلل فني

لماذا جاء القرار المفاجىء للرئيس أبو مازن بالعودة عن العقوبات المفروضة على قطاع غزة و إعطاء التعليمات بصرف الرواتب للموظفين ؟؟؟ بعد خطابه الإفتتاحي و ما حمله من وعيد وتهديد و التلويح بالإسطوانة المشروخة " يا بتشيل يا بنشيل " و كأن الحكي عن كومة خردة كب للبحر .

حقيقة الأمر هناك العديد من العوامل التي دفعت لهذه القرار القسري أهمها ما يلي :

1 – حجم الغضب المتصاعد ضد مسلسل العقوبات المفروضة على القطاع التي تستهدف كل الغزيين باستثناء حماس .
2 – مقدمات التحضير لفعاليات جماهيرية صادمة يشارك بها أنصار عباس في غزة على قلتهم مع الغالبية الصامتة على مضض خوفا من وقف الرواتب بالإضافة إلى جماهير خصومه في تيار الإصلاح الفتحاوي الذي يقوده خصمه اللدود النائب محمد دحلان ، وهو ما يفقده أي من مظاهر التأييد في قطاع غزة نهائيا بلا رجعة. 
3 – أن القيادات الميدانية المحسوبة على الإطار الرسمي في فتح غالبيتها ستقوم بتقديم إستقالاتها لعدم قدرتها على مواجهة الجمهور الغاضب الذي يمقتها أصلا بدون وقف الرواتب لأنها لا تقدم له شيئا و عاجزة عن حماية نفسها ولا تحظى بأية أهمية لدى القيادة الرسمية في رام الله .
4 – الإسرائيليون هددوا علانية أنهم لن يسمحوا بتجويع قطاع غزة خوفا من إنفجاره في وجوههم ، و أن يدفعوا ثمن عقوبات عباس للغزيين التي قد تصل للدخول في مواجهة عسكرية لا تريدها إسرائيل حاليا على الأقل ، لذلك لوحت بإمكانية تحويل أموال المقاصة للغزيين مباشرة لدفع الرواتب بدلا من تسليمها لوزارة المالية في رام الله ، وما يعنيه ذلك من دلالات سياسية في المدى المنظور .
5 – العديد من الأطراف الأوروبية نقلت رسائل واضحة للرئيس عباس بأنها لن تسمح بحصول كارثة إنسانية في غزة نتيجة لإجراءاته العقابية هناك .
6 – الضغوط التي قام بها أصحاب الشركات الإستثمارية الكبرى و البنوك التي ستسبب لها الإجراءات العقابية ضد غزة في حال إستمرارها خسائر مالية كبيرة .
7 – إستمرار العقوبات سوف يدفع غزة إلى الإنفصال الحتمي و لن يحقق المراد من أكذوبة الضغط على حماس لإجبارها على إنهاء تداعيات الإنقلاب .
8 – قناعات تولدت لدى بعض ناصحيه بأن حماس لن تسلم له بمطالبه حتى لو مات آخر غزاوي ، و أن موضوع التمكين الذي يعني إقصاء كل الآخرين لن يمر . 
9 – احتجاجات بعض ممثلي الفصائل على العقوبات و المطالبة بإلغائها و جزء منها وضع ذلك شرطا للمشاركة في المجلس ، و التفاف عدد من الأعضاء حول هذا المطلب و في مقدمتهم د. زكريا الأغا .

إن قرار إعادة صرف رواتب ما تبقى من الموظفين بعد إحالة عشرات الآلاف منهم للتقاعد قسريا و ما تسببت به العقوبات العبثية المتلاحقة يمثل خطوة بالإتجاه الصحيح بإعادة الحقوق إلى أصحابها بلا منة من أحد ، ولكن من يحاسب من على ما ترتب على هذه العقوبات التي تعرض لها الغزيون على مدار المرحلة الماضية ؟؟ لقد فشلت سياسة عباس في التعامل مع المواطن الغزي كما فشلت في غير صعيد ، ولم يفكر مرتين في الإعتذار لإسرائيل عن أقواله في افتتاح مجلسه برام الله ، ولكنه قطعا لا يفكر في تقديم الإعتذار لضحايا سياساته و إجراءاته العقابية الحمقاء في قطاع غزة و إعادة حقوقهم الثابتة و الأصيلة بحكم القانون و النظام الأساسي بأثر رجعي و منحهم التعويضات اللازمة .

السؤال هنا لعباس الذي يقول أنه لا يعاقب شعبه كما يدعي ... ماذا عن جيش الموظفين المدنيين و العسكريين الذين تم إحالتهم للمعاش قسراً بل أي مسوغ قانوني؟ و ماذا عن شريحة واسعة من الموظفين الذين تم طردهم و إقصائهم من وظائفهم بناء على تقارير كيدية أو لأنهم اتخذوا مواقف سياسية أو تنظيمية مخالفة لتوجهاتك؟ ماذا عن الشهداء الذين ترفض إعتمادهم؟ ماذا عن إعادة حقوق منتسبي تفريغات 2005؟ ماذا عمن قضوا بسبب عدم منحهم تحويلة للعلاج في المشافي؟ ماذا عن حرمان قطاع غزة من حقوقه و إستحقاقاته الأساسية خلال المرحلة الماضية منذ الإنقلاب الأسود؟.

شريط الأسئلة يبدأ ولا ينتهي لأن حجم الظلم و القهر و المعاناة الذي تعرض له الناس تنوء بحمله الجبال ، مرة أخرى لا أعتقد بأن قرار الرئيس "صحوة ضمير" بل نتيجة لفشل المخطط الذي وضعه مجموعة من الإنتهازيين و المقامرين و الجهويين و العنصريين من حاشية الرئيس و مستشاري السوء وهم كثر حوله ، و يمكن النكوص عنه تحت أي ذريعة قد يختلقها هؤلاء و تروق للرئيس عباس على شاكلة "الخلل الفني".