أخر الأخبار
غزة…ماذا بعد ؟!!
غزة…ماذا بعد ؟!!

ثمانية و خمسون شهيدا حتى الآن و ما يقارب ثلاثة آلاف جريح منهم العشرات في حالة الخطر ، هذه هي حصيلة يوم امس في مسيرات العودة على طول الحدود مع قطاع غزة الجريح و المحاصر إسرائيليا و المعاقب من ذوي القربى، رحم الله الشهداء و صبر ذويهم والشفاء العاجل للجرحى .

على الرغم أن المصاب جلل و في حضرة الشهداء و الجرحى لا معنى للكلام، ومع ذلك يجب أن لا نفقد عقولنا لكي لا تذهب دماءهم و أرواحهم في مهب الريح.

و على اعتبار أن هذه معركة حقيقية بكل ما تعنية الكلمة من معنى يجب أن يكون هناك تقييم لما جرى و ما سيجري و ما هي أفضل الخيارات المتاحة و كذلك تقييم لكيفية تصرف العدو خلال هذه المواجهات وكيف سيتصرف في المستقبل .

يجب الإجابة على الاسئلة الصعبة و عدم التهرب من إعطاء إجابات بشأنها سواء ما يتعلق بالأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى او ما يتعلق بالاهداف التكتيكية التي يجب تحقيقها و التي أهمها فك الحصار و إلغاء العقوبات و رفع الظلم عن غزة وأهلها.

بعيداً عن المبالغة و التهييط و بنظرة موضوعية ، غزة استطاعت أن تعيد ترتيب الأوراق السياسية التي لها علاقة بالقضية الفلسطينية من جديد و تصدرت بحماستها ووطنيتها و استعدادها الدائم للعطاء رغم حصارها و جوعها، تصدرت الاهتمام العالمي ،في الوقت الذي من المفترض أن يكون الاهتمام الأكبر في احتفال نقل السفارة الامريكية من القدس الى تل ابيب حيث جلس نتياهو و قيادات اسرائيل و الضيوف الذين قبلوا أن يكونوا شهود زور على هذا القرار الجائر، جلسوا قلقين من تطور الأحداث في غزة و خشية أن تنتقل الى الضفة الغربية.

العالم انشغل في ما يجري من مجازر في غزة و لم يلتفت كثيراً لهذا الاحتفال الباهت و لم يلتفت كثيرا للكلمات و الخطابات سواء كان خلال الاحتفال او بعد الاحتفال .

لم يلتفت أيضا لإجتماع القيادة الفلسطينية التي بدأ و كأنها قيادة لشعب آخر ليس له علاقة بغزة وأهلها. قيادة لم يعد كلامها و قراراتها ذات قيمة أو تأثير على مجريات الامور.

اسرائيل تورطت في دماء الفلسطينيين مما استدرج رد فعل عالمي ناقد لهذا الاستسهال في قتل الفلسطينيين العُزل بالرصاص الحي و المتفجر وبهذا يعتبر فشل اسرائيلي و ليس انتصار .

من ناحية أُخرى يعتبرون أن عدم اجتياز مئات او آلاف الشبان الفلسطينيين للحدود هو انتصار لهم و لاستعداداتهم المسبقة،حيث وضعوا في الحسبان اسوء السيناريوهات التي ممكن أن تحدث.

غزة استطاعت و مازالت أن تشغل هيئة الأركان الاسرائيلية و قيادة المنطقة الجنوبية و تعيد انتشار القوات و تعزيزها من أجل مواجهة هذا الخطر المحدق و هذا السلاح الجديد الذي اكتشفه الفلسطينيون أو أعادوا اكتشافه من جديد.

مع ذلك، إسرائيل تستطيع أن تكون فخورة أن ما جرى في غزة على خطورته لم ينتقل إلى الضفة الغربية و القدس، حيث هناك مرت الأُمور في هدوء نسبي( على الأقل حتى الآن) لا ينسجم مع حدث كبير كنقل السفارة و استشهاد ثمانية و خمسين فلسطينيا من غزة و جرح ما يقارب ثلاثة آلاف، ومع ذلك هم يدركون أن هذا الوضع قد لا يدوم طويلا.

لم يعد أمس أي لاجئ إلى بلدته الاصلية و لم ينجح الآلاف من اقتحام الحدود و لكن أحد اهداف هذه المسيرة تحقق وإن كان بثمن مرتفع وهو أن القضية الفلسطينية وخاصة قضية اللاجئين و القدس لن يزيلها من ذاكرة الفلسطينيين قرار سياسي او خذلان سياسي.

اسرائيل تدرك أن اهل غزة لا يهابون الموت و ليس لديهم الكثير ما يخسرونه ، ومن خلال تجربتهم يدركون أن الجُبن لا مكان له في قلوبهم سيما ان الامل في الحياة معدوم وأن المستقبل مجهول ، لذلك هناك من يدرك أن قتل العشرات و المئات لن يكون رادع لهؤلاء الشبان لذلك يطالبون بالعمل على تغيير الواقع المرير و اعطاء الناس هناك امل في الحياة لعل حينها يكون لديهم ما يخسروه.

المنطق يقول أن هناك اتصالات غير معلنه لكيفية الخروج من هذا الوضع بأقل الخسائر، أهل غزة يبحثون عن الحياة و اسرائيل تبحث عن الهدوء.

وعلى اعتبار أن هذه المعركة هي ليست معركة حياة أو موت بالنسبة للفلسطينيين وهي جزء من منظومة متكاملة لاسترداد الحقوق فأن الدماء التي سالت يجب أن تترجم الى انجازات اهمها انهاء الحصار و الغاء العقوبات.

إنهاء الحصار من إسرائيل وإلغاء العقوبات من الرئيس عباس، و كنت أتمنى أن يقول أمس في كلمته بعد هذا العدد من الشهداء أن يعلن عن إنهاء العقوبات و صرف رواتب الموظفين أفضل بكثير من تنكيس الاعلام و إعلان الإضراب .

إذن ، هذه المسيرات يجب أن تحقق هذا الانجاز التكتيكي و مصر تستطيع أن تلعب دورا في هذا السياق.
ولان اسرائيل لا تستطيع أن تتحمل استمرار هذا الوضع و تنتظر كل اسبوع قدوم آلاف الشبان ، و تبقي جنودها و هيئة أركانها في حالة استنفار دائم ، التقدير في هذه الحالة بأنها ستنقل المعركة من الحدود إلى قلب قطاع غزة حتى و إن أدى ذلك إلى حرب مفتوحة.غزة…ماذا بعد؟!!