في ظل فرض «الإستفراد الأمريكي» – إسرائيليا - في المفاوضات، وسياسة «الخطوات الأحادية» لدولة الاحتلال، من الواضح أنه بات مطلوبا من الولايات المتحدة الأمريكية أن تعدل قناعتها بشأن المشاركين في ملف المفاوضات، بعد أن عجزت مساعيها عن إقناع القيادة الإسرائيلية بتسوية برنامج الحد الأدنى وفق «المبادرة العربية». نقول حان الوقت للبدء فلسطينيا بخطوات أحادية لمواجهة الخطوات الإسرائيلية الساعية إلى فرض سياسة الأمر الواقع على الأرض.
ولأنصار من يصر على نهج «التفاوض الأبدي» نقول: بدون ضغوطات دولية على إسرائيل لن يحصل تقدم بالمفاوضات، وسيواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) المراوغة. وإلى أن يحصل ذلك، فإن من الأولويات الملحة: التوجه إلى الأمم المتحدة. فلفلسطين اليوم حق الدخول والمشاركة في 63 مؤسسة دولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، تعزز الوضع القانوني لدولة فلسطين الواقعة تحت الإحتلال لصالح المشروع الوطني فينقل بذلك الملف الفلسطيني إلى الإطار الدولي وتنتهي حالة «الإستفراد» الأمريكي، تماما كما دعا إليه رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية د. (صائب عريقات). وفي سياق شرحه لما يراه «فشلا للمفاوضات» قال (د. عريقات): «منذ استئناف المفاوضات، قتلت إسرائيل 33 فلسطينيا وطرحت عطاءات لبناء 5989 بؤرة استيطانية، وهي على وشك الإعلان عن 1400 بؤرة استيطانية جديدة، وخلال الأربعة أشهر الماضية هدمت 214 منشأة وبيتا فلسطينياً». (ومعلوم أن أعداد كل هذه المقارفات قد ازدادت منذ تصريح د. صائب آنف الذكر). بل إن قوات الاحتلال لجأت لسياسة «الباب الدوار». وهي السياسة التي كان قد كرّسها – على نحو معكوس – الشهيد ياسر عرفات حين كان يعتقل (تحت ضغط التنسيق الأمني مع إسرائيل) مناضلين فلسطينيين سرعان ما يفرج عنهم. فهي حين تفرج عن أسرى بعد جهود مضنية، تعود بعد فترة وجيزة وتقوم باعتقالهم مجددا فرادى، ناهيك عن اعتقال المئات غيرهم، بل هي باتت تلجأ لقتل بعضهم بحجة مقاومتهم للاعتقال.
لقد عقد العالم مؤتمرا دوليا بشأن سوريا هو «جنيف 1» وقريبا سيعقد مؤتمرا ثانيا بعنوان «جنيف 2». كما عقد «مؤتمر جنيف» للبرنامج النووي الايراني. في هذا السياق، لماذا لا يكون للفلسطينيين «جنيفهم»، يرتكز على تعاون واشنطن مع روسيا والصين والاتحاد الأوروبي والعرب وغيرهم، يكون أساسه تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، وليس المقترحات المتداولة حاليا، الساعية للتكيف مع متغيرات الاحتلال اليومية على الأرض، مما يعني موافقة على استمرار الاحتلال وتمديد وجوده على الأرض الفلسطينية. غير أن الذهاب إلى الأمم المتحدة أو عقد مؤتمر «جنيف فلسطيني» لا يعني التخلي عن البرنامج النضالي على الأرض من خلال تفعيل المقاومة الشعبية (السلمية في هذه المرحلة) مع إبقاء المجال أمام مختلف أنواع المقاومات لاحقا. فما لا يتحقق بالوسائل السلمية يتحقق بغيرها. فالسلطة الفلسطينية، مدعوة إلى بناء مؤسسات قوية قادرة على تعزيز صمود المواطنين، إضافة الى اعادة الوحدة للوطن. فالانقسام المفجع وتعثر جهود المصالحة، بات يلح على الفلسطينيين تجاوز مرحلة قلبت الاولويات وأضرت بالقضية.
على صعيد متمم، يجب التركيز كذلك على تعزيز عملية التفاعل مع «حركة التضامن العالمية» مع الشعب الفلسطيني. ذلك أن صوت هذه «الحركة» أحدث نقلة نوعية بينت للعالم حقيقة وقدسية وشرعية المقاومة الفلسطينية الحديثة كنموذج جماهيري. وهم كذلك مساهمون في الدعوات المتزايدة لفضح بنية الفصل والتمييز العنصري (الأبارتايد) الإسرائيلي، وكذلك لمقاطعة الدولة الصهيونية وعدم الاستثمار وفرض العقوبات (BDS)، فدعواتهم للمقاطعة جعلت «الإسرائيلي» يشعر بأنه معزول وضعيف، ومن جهة ثانية منحت المواطن الفلسطيني الشعور بالمساهمة والانتماء والمشاركة في النضال، خاصة وأن جهود هؤلاء النشطاء لنصرة القضية الفلسطينية وفضح الانتهاكات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، تتسع يوميا معبرة عن نفسها بالتظاهرات والاحتجاجات داخل الوطن الفلسطيني وخارجه مع المقاطعة.
اليوم لا مجال لمزيد من التباطؤ أو المخاوف.. بل المبادرة إلى العمل الجبهوي الوطني التحرري عبر استراتيجية مقاومة شعبية سلمية يقبلها العالم بل ويرحب بها. فما يحدث حاليا، يمثل درسا جديدا يحث الجميع على الوحدة الوطنية وعلى تجاوز السياسة الإسرائيلية الفارضة لدور شكلي بروتوكولي للولايات المتحدة المتحدة دون باقي دول ومؤسسات العالم. ولنا فيما حدث ويحدث لتغييب دور هيئة الأمم المتحدة، و»اللجنة الرباعية» عبر بليغة.