أخر الأخبار
سؤال الخلافة الأوسلوية
سؤال الخلافة الأوسلوية

شهدت الساحة الفلسطينية في الأيام القليلة الماضية حالة من الترقب والانتظار والقلق، ليس على صحة الرئيس الذي كان راقداً في المستشفى، بل على مرحلة ما بعد الرئيس الأوسلوي المخلص للخيار التسووي والمتشبث بحل الدولتين بغض النظر عن شكل ومحتوى الدولة العتيدة المعروضة على الفلسطينيين بوعد يبدو أنه مستحيل التحقق.

من تابع التصريحات المتلاحقة والسجالات التي اشتعلت في مواقع التواصل والمنابر الإعلامية يعتقد أن مرض الرئيس كان مفاجئاً للجميع، وأن أحداً من رموز النخب المهيمنة على السلطة لم يتوقع أن يمرض الرئيس ويرقد في المستشفى وهو الذي دخل العقد التاسع من عمره بحزمة من الأمراض الجسدية والإحباط النفسي من فشل نهجه التسووي.
ومن رصد الحراك الدعائي في الترويج لخلافة الرئيس والملصقات التي حملت صوراً لمسؤولين وقياديين في فتح أوسلو طامحين للرئاسة وطامعين بها، وشعارات من نوع "خير خلف لخير سلف" يعتقد أن مرحلة ما بعد عباس بدأت فعلاً، وأن فلسطين تقف على عتبة مرحلة جديدة في تاريخها الصراعي الطويل.
واقع الأمر أن فوضى التصريحات وسباق التلميع كان مدفوعاً بانعدام اليقين لدى النخب المتسائلة عمن سيخلف الرئيس في حال وفاته، فلا أحد يعرف إن كان الرئيس الانتقالي هو رئيس المجلس التشريعي أم رئيس المجلس الوطني أم أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ولا أحد يستطيع الجزم بقبول فتح برئيس انتقالي حمساوي، عبد العزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي، أو برئيس انتقالي يرئس مجلساً وطنيا إقصائياً ويجايل محمود عباس عمراً ومرضاً، سليم الزعنون، ولا أحد يستطيع تأكيد قبول النخب السلطوية برئيس مؤقت يمثل منظمة التحرير وإن كان يعتبر الحياة مجرد مفاوضات، صائب عريقات.
لكن، وبغض النظر عن هوية الرئيس الانتقالي فإن أمره يظل سهلاً إذا ما قورن بالصراع على خلافة محمود عباس في الرئاسة، فالطامحون كثر، ولا يخفون تحفزهم للانقضاض على السلطة في اللحظة المناسبة، وهم ينتمون إلى جيل جديد يختلف كثيرا عن أقران عباس وأبناء جيله، لكنهم ينتمون إلى نفس المدرسة التسووية، ويتوقون إلى صدارة المشهد الفلسطيني بكل ما في ذلك من وجاهة ونفوذ وامتيازات.
من هؤلاء برزت أسماء قليلة مثل جبريل الرجوب ومحمود العالول وعزام الأحمد، وثلاثتهم، رغم اختلافاتهم الكثيرة، يتفقون في الموقف المتشبث بالانقسام وإقصاء غزة وعزلها، والاكتفاء بالكانتون الضفاوي الذي يسبغون عليه اسم "دولة"، بينما تتشبث حماس بالكانتون الغزاوي وتسعى لتحويله إلى إمارة إسلامية.
لقد تمثل النظام الفلسطيني بالنموذج العربي السائد، وهو نموذج الرئاسة الأبدية، ويعرف أي خليفة محتمل لمحمود عباس أنه سيجلس على كرسي الرئاسة حتى يستقر في كفن، لذا فإن المطمع كبير، خاصة وأن إسرائيل ودول الإقليم والولايات المتحدة معنية بإطالة أمد الخراب الفلسطيني.
لكن الطريق إلى الرئاسة لا يمكن أن تكون سهلة أو ممهدة إلا من خلال التحالف مع الرجل القوي، بفعل الرضا الإسرائيلي، وهو مدير المخابرات العامة ماجد فرج الذي قد يطمع بالموقع الرئاسي لنفسه بدلاً من أن يكون رئيس الظل.
أمام هذه الحالة يبدو المشهد الفلسطيني متشحاً بالفوضى والعبث، والصراع الشخصي والصفقات الصغيرة في زمن الصفقة الخطيرة التي بدأ الأمريكيون فعلاً تنفيذها وهي صفقة القرن.
هذه المهزلة ترضي الأمريكيين وتسعد الإسرائيليين الذين يريدون للفلسطينيين أن ينخرطوا في عبث السؤال حول "مَن" بعد عباس بدلاً من تفجير السؤال الحقيقي وهو "ماذا" بعد أوسلو؟

بغض النظر عمن سيخلف عباس، فإن شيئاً لن يتغير طالما ظلت القيادة الفلسطينية منخرطة ومتورطة بلعبة الحل التسووي القائم على وهم الدولتين، ولعل التغيير قادم من خارج أطر السلطة ومعارضتها المؤطرة ومن خلال الانتقال إلى طرح حلول خلاقة تتجاوز كلاسيكيات المشروع التسووي، وتتبناها قوى مجتمعية حية لم تتجمد عقولها وضمائرها عند مشاريع الحلول التسووية البائسة.