أخر الأخبار
القناص الإرهابي يقتل مطمئناً
القناص الإرهابي يقتل مطمئناً

لم يكن القناص من جيش العدو، الذي قتل رزان أشرف النجار، يجهل أن هدف رصاصته، هو فتاة فلسطينية مسعفة، لديها حقيبة مواد أولية، لوقف النزيف أو ربط موضع الجُرح. ولم يكن هذا القناص سيفعل فعلته الإرهابية بامتياز، لو إن القوى المتنفذة في العالم، وقفت بحزم لردع دولة الإرهاب عن الاستمرار في اقتراف الجرائم، بعد تلك الجمعة الدامية يوم 11 مايو الفائت. أما القيادة الرسمية الفلسطينية، فقد باتت في الحال التي يتعين فيها على المحكمة الجنائية الدولية، أن تبادر هي الى استدعائها، لكي ترفع الشكوى باسم الشعب الفلسطيني الذي تمثله أمام المحافل الدولية، وتطالب بعقاب عناصر القتل العَمد للمدنيين!

الإرهابيون المحتلون، ينبغي أن يُلاحقوا، وأن تُدرج أسماء قادتهم في قوائم ترقب الوصول في مطارات العالم. ولن يكون هذا هدفاً بعيد المنال، لو كان هناك الحد الأدنى من العدل، ومن وسائل إنفاذه، سعياً الى ضبط العلاقات الدولية وحماية الشعوب وردع الإرهابيين الصهاينة!

رصاصة القناص القاتل، تزهق الأرواح البريئة، وهي التي تنتج متطرفين لن يستطيع أحدٌ مجادلتهم في الأسباب الطبيعية لتطرفهم. فشتان بين متطرف إرهابي، يمتهن القتل الجزافي ويقتل أبرياء،  ومتطرف غاضب، استحثت غضبه عربدة عدو حقير، يسترخص حياة البشر، وفي الوقت نفسه، كلما تصدع حجر من جدار أحد بيته؛ يولول ويشكو ويتقمص ثوب الضحية. فإسرائيل أخطر وأنذل مشروع للتضليل في التاريخ. طرحت نفسها واحة للديموقراطية وسط إقليم تحكمه الديكتاتوريات، بينما عنصريتها وديكتاتوريتها هي الأقبح والأبشع والأفدح، بحكم كونها ديكتاتورية القتل وصب النيران على أجساد الأبرياء الذين يتظاهرون سلمياً، لإسماع صوتهم كمسحوقين، وإعلاء شأن قضيتهم كمسألة مهملة، ولتظهير الحقائق التي يراد طمسها!

الإرهابيون بامتياز، يتلاعبون بمصير المنطقة، وينظفون أيديهم الوسخة، بمياه وجوه الخانعين الذين يلاطفونهم ويتقربون منهم. إن هذه وحدها، تمثل وصفة شيطانية لرمي الشعوب في وادٍ وإبقاء الحاكمين في وادٍ آخر. وكيف ــ بالمنطق ــ سيتمكن الحاكمون من طواعية الأمريكيين وتمرير الصفقات وإنجاز الإستقرار وإرضاء شعوبهم إن كانت مرجعيتهم هي أمريكا الراعية للإرهاب والعدوان؟!

المحكمة الجنائية الدولية، قامت حسب ما تقول أدبياتها وفي توصيفها لمهمتها، لمنع  الأفعال المحظورة والمحددة في ما يُسمى "نظام روما" وهي الهجوم الممنهج ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، لا سيما عندما يكون من بين سياقات هذا الهجوم، القتل العَمدْ، والإبادة، والاغتصاب، والعبودية العرقية، والإبعاد أو النقل القسري للسكان، وجريمةِ التفرقة والإبادة والجرائم ضد الإنسانية، التي ينبغي أن يكون مقترفوها عُرضة للعقاب الفوري، بصرف النظر عن ارتكاب الجرائم في أوقات السلم أم الحرب!

الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، هي راعية إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل. ولكي تحافظ على صفتها هذه، عارضت أثناء المباحثات التمهيدية لتأسيس "نظام روما" الذي قامت على أساسه المحكمة الجنائية الدولية؛ أن تكون هذه المحكمة ذات سلطة عالمية، واشترطت إنفاذ قرارات العقوبة، بموافقة مجلس الأمن الذي تمتلك فيه ما يسمى حق النقض. بل إن واشنطن، راعية الإرهاب الصهيوني منعت مؤسسي "نظام روما" من تحديد مضامين وأركان جرائم عدوان الدولة، في النظام الأساسي للمحكمة، كما حُددت أركان جرائم القتل الفردي العمد والاغتصاب. ولم تسمح واشنطن، بإقرار تعريف تفصيلي محدد، لجريمة العدوان في "نظام روما" وبالتالي لن تملك "الجنائية الدولية" الشروط اللازمة لممارسة هذا الاختصاص!

هنا، تكون الولايات المتحدة، دقت من أجل عيون الصهيونية، أكثر من مسمار في نعش النظام الدولي، لكي تُحال الأمم المتحدة، الى المقبرة نفسها التي دُفنت منظمة "عُصبة الأمم" الشقيقة الكبرى الراحلة للأمم المتحدة، في أعقاب الحرب العالمية الثانية!

موضع مسؤولية الأمم الحرة وحاكميها، في هذه الحال، هو إعادة صياغة العلاقة مع الولايات المتحدة، لكي يُتاح ردع الصهيونية تلقائياً. فإن لم يلق كل موقف أمريكي ضال وظالم، رداً فعلياً من أقطار الضحايا، ينعكس في مستويات العلاقة مع واشنطن، فإن إسرائيل ستظل تعربد، وسيظل القناص الإرهابي يعمل ويقتل، والطيار الإسرائيلي يمارس القتل الرقمي من الجو، على النحو الذي من شأنه تعميق اليأس وتفكيك الدول وإنفلات الشعوب من قيودها وتحويل غضب المظلومين الى عنف مقيم!

القناص الإرهابي الإسرائيلي، قتل رزان النجار، ببندقية مزودة بمنظار، جعلته يعلم، قبل أن يقتلها، أنها محض ممرضة أو مسعفة، جاءت مع متظاهرين سلميين لكي تُطبب وتسعف. وعلى الرغم من ذلك نفذ الجريمة، مطمئناً الى أن أحداً لن يسأله عن الجريمة، وأن أي طربوش ثرثار، لن يشكو الى أية محكمة !