أخر الأخبار
نحو نقلة سياسية وازنة
نحو نقلة سياسية وازنة

ليست صدفة أن الأحزاب اليسارية والقومية في بلادنا ضعيفة، فالأحزاب اليسارية دفعت ثمن هزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي مع نهاية الحرب الباردة 1990، والأحزاب القومية نالت حصتها من هزيمة العراق وحصاره وسقوط نظامه القومي ما بين 1991 – 2003 ، اضافة الى التراث المحلي والذي كان حصيلته العداء للعمل الحزبي والتضييق عليه رسميا، ومقابل عدم فتح الأبواب لتطلعات الوطنيين المشروعة للوصول الى مؤسسات صنع القرار عبر الأحزاب، نجد أن العشائرية، والانتماء الجهوي، هما أداة الوصول الى مناصب الحكومة والنواب والأعيان وعضويتها . 
في العهد العرفي، قبل نهاية الحرب الباردة وزوال المعسكر الاشتراكي، وقبل احتلال العراق وهزيمة نظامه، كان للأحزاب رغم عدم ترخيصها ومنعها حضوراً وقوة واحتراماً أقوى وأفعل، رغم أن تهمة الانتماء للشيوعية وفق القانون كان تكلف صاحبها عشر سنوات حبس قبل الغاء القانون وللبعث لا يقل عن ثلاث سنوات، وهذا ما يُفسر تأثير نتائج الحرب الباردة على الأحزاب اليسارية وأفكارها بهزيمة مرجعياتها الفكرية والسياسية والتنظيمية، وتأثير نتائج هزيمة العراق على توجهات التيار القومي وتراجعه، وتم ذلك لحساب حركة الاخوان المسلمين التي ضاعفت من حضورها مع بداية التسعينيات وهيمنتها على حركة الشارع وعلى النقابات المهنية وقادت المعارضة بقوة واتسعت تطلعاتها، وعبرت عن طموحها علناً لأن تكون شريكا لصاحب القرار، ولم تعد تقبل بصيغة كم نائب وكم وزير تريد، بل أن تكون شريكا في صنع القرار قبل أن تدفع ثمن اخفاقات مرجعيتها السياسية والفكرية والحزبية في مصر، وفشل ثوراتها في ليبيا وسوريا واليمن، وتراجع تماسكها في تونس والمغرب، وعجزها عن تقديم نموذج ايجابي في ادارة السلطة الفلسطينية وهيمنتها المنفردة وتسلطها الحزبي الأحادي لأكثر من عشر سنوات منذ الانقلاب في حزيران 2007 حتى هذا اليوم في قطاع غزة. 
النهوض الشعبي في الأردن، مثلته احتجاجات الثلاثين من أيار، وهو نتاج أردني بامتياز، لا تأثير لفصائل المقاومة الفلسطينية عليها، بعد أن نجح الرئيس الراحل ياسر عرفات نقل زمام المبادرة والفعل والتأثير الفلسطيني من المنفى الى الوطن نتاج الانتفاضة الشعبية الأولى 1987، واتفاق أوسلو 1993، وولادة السلطة الوطنية على الأرض داخل فلسطين 1994 وتداعياتها، والانتفاضة الثانية عام 2000، وهكذا بات الفعل والتأثير الفلسطيني هناك داخل وطنه الذي لا وطن له سواه، وتراجع دور فلسطينيي الشتات والمنافي والمخيمات في البلدان المجاورة لفلسطين. 
مثلما أن النهوض الشعبي لم تعد قيادته بيد حركة الاخوان المسلمين بعد تمزق جسمها الحزبي الى عدة عناوين، وبعد أن فقدت مبادراتها وتحالفاتها مع القوميين واليساريين وانقسام المعارضة الى معسكرين متنافسين كما حصل في مسيرة العودة في الغور كنموذج لهذا الانقسام، ولهذا تحول الفعل الشعبي وحراكاته لقيادة النقابات المهنية الأكثر تنظيماً وتماسكاً ودوافعها محلية وطنية اقتصادية اجتماعية امتداداً لانتفاضة نيسان 1989، وهبة الخبز 1996 ، وهو فعل أردني خالص، ستكون له نتائج سياسية بائنة، لا تقل أهمية عن نتائج 1989 .
مازن ارشيدات، أحمد سمارة الزعبي، ابراهيم الطراونة، علي العبوس وأحمد يعقوب قيادات نقابية وطنية واقعية غير متطرفة أجندتها أردنية، تتعاون مع قادة الأحزاب القومية واليسارية الخمسة وتتقاسم معها الدور والتفكير والعقلانية المقيدة كحدود للمصالح الوطنية : لا انصياع وتراخي وخنوع أمام السلطة التنفيذية، ودون تطرف وشطحان وافتعال بطولات أمام الشعب وفي طليعته، وهذا ما يجب التمسك به ليس فقط لاسقاط أو تعديل قانون الضريبة، بل كي تكون محطة الاحتجاجات الشعبية خطوة نوعية وتأثير قوي لتطوير الحياة السياسية باتجاه قانون انتخاب نيابي عصري يقوم على المزاوجة مع القائمة الوطنية لترسيخ الهوية الوطنية والنائب الوطني العابر للمحافظات وللعشائر وللجهويات، ويتقدم باتجاه حكومات برلمانية حزبية تتحمل مسؤولياتها حقاً باعتبارها صاحبة الولاية الدستورية في ادارة الدولة والمجتمع.