أخر الأخبار
حماس وأوسلو و”خبز الشعير”!
حماس وأوسلو و”خبز الشعير”!

بعد مرور 12 عاما ونصف تقريبا على فوز حماس بإنتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، وبغالبية ساحقة، لا تزال تتعامل مع الواقع السياسي كما يحلو لها، ووفقا لما تراه خدمة لأجندتها السياسية ومصالحها الفئوية..

حركة حماس، التي شنت "حربا سياسيا وأمنية وعسكرية" وبتحالفات "غير فلسطينية" وارتباطات حملت كل علامات الإستفهام، في حينه مع اطراف ودول وجهات عملت لإسقاط المشروع الكياني الفلسطيني الجديد بكل السبل، تحالف كشف قادم الأيام بأنه تحالف عنوانه "حصار منظمة التحرير وزعيمها الخالد ياسر عرفات" والعمل على خلق البديل، أي بديل ممكن..

حماس، ذهبت لتطوير عملها العسكري بعد توقيع إتفاق أوسلو بما يلحق كل الضرر بالإتفاق، خاصة اللجوء المتنامي ليس عمل عسكري في الضفة وضد قوات الاحتلال ومستوطنيه، لكنها لجأت الى عمليات عسكرية تفجيرية هدفت المدن والبلدات في إسرائيل..

من حق حماس وكل القوى الفلسطينية أن تعارض إتفاق إعلان المبادئ - اتفاق أوسلو - الموقع عام 1993، ولها كل الحق السياسي الوطني أن ترى به كل ما هو "شر سياسي"،  ولكن ضمن ما به وليس ما يقال عنه، وأن يرتبط الموقف بالمسألة الوطنية الفلسطينية، وليس خدمة لأطراف غير فلسطينية، وهو ما اثبتته طبيعة "تحالفات حماس" المتقلبة والمتنقلة من بلد لآخر حسب المصلحة والمنفعة، بدأت في علاقة تحالفية صريحة مع الأردن ولمدة قاربت عشر سنوات، وهي الفترة التي شهدت القيام بأكثر العمليات العسكرية التفجيرية من حماس، إحتضان متبادل المنفعة بين حماس والأردن التي عارضت رسميا إتفاق أوسلو ثم عدلت من الموقف دون أن تتخلى عن موقفها منه..

ولاحقا انتقلت قيادة حماس الى دمشق لتبني تحالفا سوريا إيرانيا، قاد أوسع حملة عداء للسلطة الوطنية ورئيسها ومؤسساتها، وجعلت هدفها إسقاط السلطة الوطنية بشعار "إسقاط أوسلو"..تحالف إنكشف أن وجود حماس به لمصلحة خاصة لا أكثر، رغم كل المواصفات التي أطلقت عليه، لتهاجر قيادة حماس بعدها الى قطر..

في بداية الحراك الأمريكي للمنطقة، فرضت واشنطن وتل أبيب وبدور قطري مميز جدا، قام به حمد بن جاسم، على رئيس السلطة محمود عباس الذهاب الى إجراء إنتخابات برلمانية جديدة، رغم انها تخالف كليا اتفاق أوسلو، بل تجاوز غير مقبول قانونا لذلك، لكن الكيان وأمريكا تجاوزا ذلك البعد لفرض مشهد جديد..

ومع إعلان عباس رضوخه للطلب الأمريكي - الإسرائيلي والقطري، خرجت حماس بمفاجأة سياسية كبرى، لتعلن مشاركتها في تلك الإنتخابات، لمجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي وفقا لبيانات حماس، بل وسلطة مشبوهة تخدم الاحتلال على حساب "المقاومة"، وتلغي هدف تحرير كل فلسطين، ولكنها تجاهلت كل ما قالت عن ذلك الاتفاق لتعلن خوضها إنتخابات مؤسسات الاتفاق..

إنتخابات فرضت بعد أن قادت أمريكا وإسرائيل أوسع حملة عسكرية ضد مؤسسات السلطة، وقادت حصارا أمنيا وماليا على السلطة بحيث توقفت عن دفع رواتب موظفيها وقواتها الأمنية اشهر عدة، فيما كانت قوة حماس المالية ومؤسساها تعمل بقوة وحضور غير مسبوق..

وجاءت نتائج الانتخابات لتخطف حماس فوزا خارج كل التوقعات العملية، وقاربت من نسبة الثلثين، رغم انها لم تفكر قبل عام واحد فقط بخوض معركة الرئاسة التي شغرت بعد إغتيال ياسر عرفات، ما يشير الى أن السلطة لم تكن هدفا لحماس في حينه، بل جاء تلبية لطلبات خارجية..

حماس التي عبرت بكل ما لها عن سعادتها المطلقة بالفوز في التشريعي ثم شكلت حكومة خاصة بها، لم تشارك اي فصيل غيرها، عملت وفق إطار إتفاق أوسلو، وتحت سقفه كاملا، وأوقفت كل عملها العسكري في مناطق فلسطين من رأس الناقورة شمالا حتى رفح جنوبا، ومن البحر الى النهر..إستجابت فورا للشرط الأبرز (غير المعلن)  لدخولها الإنتخابات بينها وبين من صنع اتفاق خوضها الإنتخابات..

حماس التي إنتقلت من "المقاومة" الى "المهادنة والمساومة"، عملت ولا تزال ضمن إطار أوسلو، بالبعدين القانوني والسياسي..

ولكن حماس، وضمن الإنتهازية السياسية التي ميزت مسارها منذ إنطلاقتها بعد عشرين عاما على عدوان 1967، تستمتع بكل إمتيازات إتفاق أوسلو، وتتمسك بها بكل ما يمكنها، وترفض كليا المساس بأي منها، وهي التي تخلت عن كل عملها التفجيري، وأن فوزها في حينه بتلك النسبة جاء نتجة عمل عدواني عسكري وأمني ومالي ضد السلطة، وليس لموقف حماس السياسي - المقاوم كما تدعي..

فما سبق الإنتخابات كانت أوسع مواجهة ضد الاحتلال قادتها السلطة وحركة فتح  والخالد أبو عمار، طوال 4 سنوات، لم تكن حماس جزءا فاعلا فيها، سوى ببعض عمليات محدودة تمت بالتنسيق مع أجهزة أمن السلطة في حينه، ولسنا في مجال فتح ملف ذلك، لذا لم يكن فوز حماس نتيجة موقفها "الكفاحي" كما تحاول تزوير الحقيقة، بل نتيجة حرب عدوانية ضد السلطة الوطنية..

الواقع القائم، حماس تهاجم أوسلو ومن عمل أوسلو وتتهم من قام به بكل أصناف التهم، رغم أن دولة الكيان قامت بأكبر عملية إغتيال للإتفاق وصانعي الإتفاق، وتشن حماس حربا على إمتيازات الاتفاق وهي عمليا الآن أكثر الأطراف إستفادة من ذلك الاتفاق..

آن أوان أن تتصرف قيادة حماس بمسؤولية وطنية، تجاه المرحلة السابقة، وان تكف عن سلوك سياسي يبدو أن الهدف منه ليس تصويبا لمسار بقدر ما هو محاولة لتشويه مسار وتاريخ، وكأنها تريد صياغة التاريخ الفلسطيني حيث تكون هي، وليس حيث تكون الحقيقة..

حماس جزء من أطر اتفاق أوسلو رسميا، وهي وافقت عليه بخوض الانتخابات ضمن القانون الأساسي للسلطة، التي هي منتج الإتفاق، بل هي متمسكة به بعد أن "فقد ظله السياسي"، بأكثر مما تحدث عنه..

لو كان هدف حماس خيرا لتعاملت مع المرحلة السابقة بكل ما لها وعليها، وتبدأ هي قبل غيرها في تقديم تقييم حقيقي لمسارها، لما تأخرت في العمل ولما إنطلقت كبديل ولما حاربت مع أطراف عادت منظمة التحرير، ولما شاركت في انتخابات التشريعي وليس انتخابات الرئاسة، وما هو مبررها لوقف كل العمليات العسكرية التفجيرية منذ فوزها..

ما هي رؤية حماس القادمة وضمن اي مشروع، وهل لا زال تحرير كل فلسطين هدفها، وهل ستعود للعمل كما عملت سابقا، ام ان هناك مرحلة تاريخية بدات تستحق تفكيرا وطنيا مسؤولا بعيدا عن ثقافة الإنتقام والتشويه، وكأنها تعمل لسمح تاريخ الحركة الوطنية لتصيغه وفقا لرؤياها "الإسلاموية" الخاصة..

قيادة حماس عليها السلوك السوي في تقييم ما سبق لو كان الهدف خيرا للوطن.. وأن تكف عن التعامل وفقا للمصلحة الفئوية المقيتة..كفى مسار "الشعير مأكول ومذموم"!

ملاحظة: جولة نتنياهو الأوروبية كشفت ان دماء أهل فلسطين وخاصة في غزة لم تذهب هدرا كما تحاول بعض الأطراف الخنوعة وصفها..ما سمعه من ميركل وماكرون وماي يستحق المتابعة الوطنية..

تنويه خاص: انسحاب فتح - المؤتمر السابع من لجنة القوى في غزة ليست حلا للرد على سلوك حماس الأمني..عفكرة فتح بالضفة تمارس أسوء من ذلك ضد معارضيها..يجب رفض السلوك الأمني لطرفي الارهاب الداخلي!