أخر الأخبار
بيان الحكومة في رام الله
بيان الحكومة في رام الله

جاءت فقرات البيان الذي أصدرته حكومة عباس التي يديرها الحمد الله بلا تفويض، بعد اجتماعها الأخير، مرتبة في الشكل والمضون اللذين يحددان مراكز المعتدين والضالين والخارجين عن القانون. فقد حَلّ المطالبون بالعدالة وبإنهاء العار الذي يمثله تجويع غزة وإشهار وشرعنة كارثتها؛ في المركز الأول من بين المخاطر المتربصة بالسلطة التي يقف على رأسها حكيم عادل، من سلالة ابن ماء السماء. ومُنيت حماس بالمركز الثاني على قائمة الضالين، إذ أفاض البيان في اجترار مساوئها، على النحو الذي يعيدنا الى المربع الأول ويفتح المجال لإلقاء اللوم على من يسعون الى المصالحة، ومن بينهم عباس وحكومته، التي تقمصت ثوب من يسعى الى الوفاق، طالما أن حماس فعلت كل تلك الجرائم في حق الناس والمجتمع. وقد تراجع ترتيب الإحتلال الى المركز الثالث من قائمة المتربصين، وخَتم البيان فقراته بتعداد جماليات الحكومة، فعاد الى الحديث عن النسب والتذرع بالأرقام لكي تتبدى عالية وسخية، بمنطق جمع السنين لذر الرماد في العيون، ليصبح ما صرفته الحكومة على قطاع الكهرباء في غزة وحده، خلال أحد عشر عاماً، مليار ومائة مليون شيكل، علماً لو إن الحكومة التزمت شهرياً بالتغطية في غير شهور الضغوط والأزمات والمناشدات التي جعلت حكومات أخرى تتبرع بإرسال الوقود؛ فسيكون عباس تكرم علينا خلال أحد عشر عاماً بنحو 23 مليون دولار شهرياً للكهرباء، مع أن هذا الرقم، الذي لا يؤمن احتياجاً أساسياً لمليوني فلسطيني في غزة هو نصف كلفة عباس ومكتبه تحت عناوين رئاسة السلطة والمنظمة وحركة فتح، في السنة المالية 2017 وذلك فقط حسب ما أظهره بيان الموازنة. فلا حساب في بيان الحكومة للبُعد الإجتماعي لمفردات هذا الموازنة التي لم تُعرض على أية مؤسسة مفوضة بإجازتها.
الأمر الأهم في هذا التدليس، هو أن حكومة رام الله تنّصب نفسها، الناظمة الحصرية للمصلحة الوطنية العليا. فالناس عندها ذوو حملات تخوين وتشهير وتحريض وتشويه للحقائق، وعابثون بالسلم الأهلي. أما هي ــ حسب البيان ــ فراعية العدالة وحرية الرأي والكابحة المقتدرة لأي مساس بالحريات التي كفلها النظام الأساسي، بمعنى أن عباس الذي أطاح النظام الأساسي ودفن مؤسساته، هو نفسه حامي السلم الأهلي واستقلالية القضاء وإعطاء كل ذي حق حقه حسب البيان بالكلمة والفاصلة!
غفا البيان عن الثغرات في النص، لكي تصبح الحكومة الفلسطينية، بعد ربع القرن من تأسيس السلطة، معنية ومنشغلة حتى الآن "في بذل الجهود لضمان توفير أوسع قدر من المناخ المواتي لتكريس الحريات وتعزيز استقلال القضاء باعتباره الحامي للحريات" أي إن سنن الحياة نفسها، وأوليات مهام العمل العام وبداهتها، في الصومال أو ساحل العاج، لا تزال عند عباس رهناً ببذل الجهود، من قبل حكومته، ليس لرفع مستوى جدارتها في الأداء، بعد أكثر من ربع القرن، وإنما فقط لتوفير أوسع قدر من المناخ المواتي، لتكريس الحريات وتعزيز استقلال القضاء. 
الطريف أن من يقولون هذا الكلام، هم أنفسهم مسممو المناخات الذين يحتقرون العدالة ويقفون بعناد، حجر عثرة، لكي لا يأخذ أي ذي حق حقه، ويكذبون واهمين أن الفلسطينيين مستعدون لقراءة بيانهم بغير عين السخرية التي تتبعها اللعنات! 
والأكثر طرافة، في هذا الكذب، استخدام مفردات شعبنا ومجتمعنا ومشروعنا، بالضمير المتصل حسب لغة النحو، وذلك في اللحظة التي يئن فيها مجتمعنا ويتذمر شعبنا، وتجوع أسرنا وتهمل صرخاتنا وتحرم مناطقنا ويتهدد العدو بلادنا في الضفة بالضم، لضلال حكومتنا وفقدانها ولاء كتلتنا الشعبية .. الى آخر ما يمكن صياغته باستخدام الضمير المتصل بسلوك حكومتنا!