رغم أن اندلاع حرب ثالثة بين حماس وإسرائيل يبدو احتمالا غير مرجح في هذه الآونة، إلا انه لوحظ ارتفاع وتيرة الاحتكاك بين الجانبين على طرفي الحدود، خلال الأيام والأسابيع الأخيرة، إن كان من خلال العودة لاطلاق الصواريخ من غزة باتجاه البلدات الاسرائيلية وراء الخط الأخضر، أو من خلال الغارات الاسرائيلية متعددة الأشكال على القطاع.
ومع ان الجانبين يعلنان أنهما ليسا معنيين بمواجهة جديدة، على الأقل لتحقيق أهداف أمنية، بعد ان حققت التهدئة، والتي مرت بمراحل مختلفة، خلال السنوات السبع الماضية، الهدف المنشود لكل منهما، بالنسبة لاسرائيل، عدم قض مضاجع سكانها في المناطق القريبة من الحدود الشمالية لقطاع غزة، وبالنسبة لحماس تلاشي التهديد الاسرائيلي لسلطتها في غزة، إلا أنه مع ذلك يمكن لكرة الثلج التي تتدحرج الآن وان تفرض حربا جديدة، قد تختلف بأهدافها، بهذا القدر أو ذاك، عن الأهداف التي توخاها الطرفان من الحربين السابقتين.
في حرب العام 2008 / 2009، وبعد تهدئة استمرت ستة شهور، أطلقت حماس رشقات صاروخية باتجاه اسرائيل، فتحت الباب لحرب استمرت عشرين يوما، كانت تهدف حماس من ورائها، ان تفرض على مصر فتحا دائما لمعبر رفح، وفرض حماس كنظام حكم في غزة، على الأرض، خاصة على الجانب المصري، والغاء اتفاقية 2005، فيما سعت اسرائيل للوقوف أمام تكتيك حزب الله القتالي، والذي كان يلعب دورا مهما في تدريب قوات حماس على حروب الكمائن تحت الأرض، كما فعل في جنوب لبنان، وكذلك تقليم اظافر حماس، بالتوصل الى اتفاق مضمونه، حكم حماس مقابل عدم تهديد اسرائيل أمنيا.
أما في حرب العام 2012 والتي استمرت أسبوعا، والتي جاءت بمبادرة من إسرائيل، فكانت حكومة بنيامين نتنياهو تهدف الى الفوز بالانتخابات، وتعطيل توجه السلطة الفلسطينية للأمم المتحدة، كذلك اختبار حكم الاخوان في مصر، والذي كان قد تولى مقاليد الحكم، ونجح في عقد أتفاق التهدئة، وأثبت قدرته على التأثير على حماس، وضمان تبريد ما تسميه اسرائيل الجبهة الجنوبية والتي لا تقتصر على جبهة سيناء المكفولة باتفاقات كامب ديفيد، بل وتشمل جبهة غزة الطارئة حديثا، خاصة بعد ان خرجت من اتفاقيات أوسلو الموقعة مع م.ت.ف.
لا يمكن القول، إذا إن احتمالات المواجهة بين الجانبين محكومة فقط بالعلاقة بينهما، بل بالمعادلة السياسية، الأوسع، على الصعيد الفلسطيني، أي بتطور الأوضاع بين الفلسطينيين والاسرائيليين، بما في ذلك ملف المفاوضات، وهذا يعني انه في لحظة وجدت فيها اسرائيل نفسها في مأزق، فقد تلجأ الى خلط الأوراق والى قلب الطاولة في وجه أبو مازن، بشن حرب على غزة، كذلك بالنسبة لحماس، فإنها وحين تجد نفسها في ضائقة، وحين يزداد عليها الضغط للقبول بمصالحة تنهي الانقسام، أي تضع حدا لسيطرتها من جانب واحد على قطاع غزة، حينها تصبح لها مصلحة في الهروب الى الأمام، والى التحرر من الضغط الداخلي، عبر القيام بدور الضحية أو ارتداء زي المقاومة أو من يقاتل اسرائيل، لتقول مجددا ان عدم استجابتها للمصالحة، سببه الاختلاف البرنامجي بين برنامجي التفاوض والمقاومة !
ولقد كانت حرب العام 2008 / 2009 سببا، رغم كل ما احدثته من دمار، لأن تهرب حماس من ملف المصالحة، وان ترفض طويلا التوقيع على الورقة المصرية، في حينه، فيما كانت حرب العام 2012 مناسبة للحركة لان تلتصق أكثر بنظام حكم الاخوان في مصر، وان تقدم وبشكل تام على إغلاق ملف المصالحة، رغم ان اجراء المصالحة في ذلك الوقت كان سيحقق لها مكاسب لا حصر لها.
مجمل القول إنه رغم ان الظروف الاقليمية تشير الى ان حربا جديدة بين حماس وإسرائيل لا تبدو مرجحة الآن، إلا أنه يمكن ان يجد الطرفان لهما مصلحة في القيام بمواجهة محدودة، تحسن من شروط مواجهتهما معا لأبو مازن، الاولى فيما يتعلق بشروط المصالحة والثانية فيما يخص ملف التفاوض.
جدير ذكره، ان حربا مفتوحة من شأنها ان تسقط نظام حكم حماس في غزة، ما زالت غير ممكنة، إلا ان اغلاق الانفاق يضغط على حماس جدا لايجاد مخرج، لا يبدو ممكنا إلا بالتوصل الى اتفاق دراماتيكي إما مع السلطة فيما يخص المصالحة أو مع اسرائيل، بعقد اتفاق سياسي، قد تجد الاتفاق الأمني (الهدنة طويلة الأمد مثلا) مدخلا له.
لكن لا بد ايضا من ملاحظة، أن قوة أخرى قد تجد في التسخين تحقيقا لحلم يراودها في ان تكون بديلا عن حماس وعن السلطة في وقت واحد، ونقصد الجهاد الاسلامي، وقد كان لهذا التنظيم دور اساسي في تهدئة العام 2012 وأي حرب جديدة، ربما تضعه مقابل اسرائيل، ليقوم بدور حزب الله في قطاع غزة، ولعل الاشارات الاسرائيلية بمسؤولية حماس عن غزة، رغم علمها بأن من يقوم باطلاق الصواريخ ليس القسام، دليل على هذا، بعد أن تبددت قوة المقاومة الشعبية بعد اغتيال اسرائيل لقادتها بشكل متلاحق وبعد أن غطست كتائب القسام في وحل السلطة، وبعد اغتيال احمد الجعبري، حيث لم يبق من قوة ذات شأن في غزة تهدد إسرائيل، الا سرايا القدس، وعلى هذا فقد تلجأ إسرائيل لشن الحرب على غزة وتحاول تحييد حماس في نفس الوقت، من خلال القول ان هدف الحرب إنما هو تدمير قوة الجهاد العسكرية، وتعزيز توجهات هنية الحمائمية حتى يكون قادرا على عقد الاتفاقيات السياسية، إن كان مع السلطة أو مع اسرائيل !