يبدو أن خطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للتسوية السياسية لقضية فلسطين مجرد طبعة منقحة عما يسمى «وثيقة عباس – بيلين» الشهيرة، وهي الوثيقة التي كانت نتيجة الاجتماعات التي عقدت على فترات متلاحقة استغرقت أكثر من عام ونصف، أجرت خلالها الطواقم المختلفة من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني أكثر من عشرين اجتماعاً سرياً في كل من القدس وقبرص وأمستردام وأوسلو ولندن وأثينا وباريس؛ وقد نجح الجانبان في الحفاظ على سرية هذه اللقاءات بتبديل الوجوه وتناوبها باستمرار.
ومن أهم الجلسات التي تمت فيها بلورة بنود الوثيقة، تلك التي عقدت يومي13و14 مايو1995م في مقر المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI) في باريس بحضور مراقبين عن وزارة الخارجية الفرنسية.
تم إنجاز الوثيقة في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول/ أكتوبر1995م، وقد أكد ذلك وزير الخارجية السويدي الأسبق المستر سـتين أندرسون في مقابلة إذاعية مع راديو الجيش الإسرائيلي أذيعت يوم 15تشرين الثاني/نوفمبر1995م قال فيها: «..إن مفاوضات سرّية مكثفة قد جرت بين متفاوضين إسرائيليين وآخرين فلسطينيين على مدى أكثر من عام في عدد من العواصم الأوروبية، أدت إلى التوصل إلى اتفاق مبادئ حظي بمباركة القيادتين، وإن تلك المفاوضات قد تُوّجت بصياغة وثيقـة تتضمن المبادئ الأساسية للحل النهائي بعلم كل من السيد ياسر عرفات وإسحق رابين الذي كان يريد الإعلان عنها قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات الإسرائيلية لتكـون أساساً لبرنامجه الانتخابي في حزيران/يونيو 1996م»؛ غير أن الرصاصات التي عاجلته عند اغتياله الذي وقع بعد اثنـي عشـر يوماً فقط من تاريخ إنجاز الوثيقة (5/11/1995م) أدى إلى إبقاء ملفها السـرّي مغلقاً، إلى أن تسلّمه خلفه شـيمون بيريز الذي آثر الاحتفاظ بسرية الوثيقة وعدم الكشف عنها في حينه لأسباب انتخابية.
إلا أن جريدة هاآرتس الإسرائيلية، تلقت برقية من مراسلها في أثيـنا أماطت اللثام عن اللقاءات السرية المثيرة التي اقتـفى آثارها بمتابعة حثيثة بالغة التعقيد، أدت إلى الكشف عن هوية المتفاوضين وما توصـلوا إليه في الوثيقة المذكورة. وقد نشرت الصحيفة قنبلتها الإعلامية تلك في عددها الصادر يوم 23/2/1996م، واقتطفت من الوثيقة فقرة هامة تتحدث عن (إقامة دولة فلسطينية منزوعة السـلاح لها وضع الفاتيكان)، مضيفة عنصراً انتخابياً مثيراً في الحملة الدعائية الانتخابية المثيرة التي كانت محتدمة في إسرائيل آنذاك.
وكان هذا الخبر المثير الذي نشرته هـآرتـس لأول مرة عن الوثيقة المذكورة، أول خيط ضوء يميط اللثـام عن الوثيقـة اللغـز، أعقبتها مقابلة نشرتها مجلة الإكسبريس الفرنسية يوم 8/5/1996م مع رون بونـداك أحد المشاركين في صياغة الوثيقة، ألمح فيها بشكل موارب عن صحة الوثيقة بقوله:»..نعم..يوجد شيء من هـذا القبيل..»
ثم تلا ذلك تصريح ليوسـي بيليـن نشرته كل الصحف العبرية يوم31/7/1996م وآخر يوم29/11/1996م أقر فيهما بصحة تلك الوثيقـة(غير الموقعة) وبصحة الاتصالات التي شارك فيها عدة أكاديميين من الطرفين، وأفصح فيهما عن معظم البنود التي تضمنتها الوثيقة التي وضعت لتكون «مرجعاً للمفاوضين السياسيين لمرحلة الحل النهائي» كما أطلق عليها.
ثم تبع ذلك أيضاً تصريح أكثر وضوحاً أدلى به يائيـر هيرشفيلد المشارك الإسرائيلي في الاجتماعات المغلقة وفي صياغة الوثيقة، نشرته له صحيفة «تكـوداه» الإسرائيلية في عددها الصادر يوم7/8/1996م كشف فيها النقاب عن أهم بنودها، وأكد على ما ورد على لساني يوسي بيلين ورون بونداك.
وقد ذيلت الوثيقة بالملاحظة التالية: اتفق الجانبان على تعليق التوقيع على هذه الوثيقة والتصديق عليها وعلى ملحقاتها إلى حين الانتهاء من مفاوضات الحل النهائي حول التفاصيل الدقيقة!
ويبدو أن وقت التوقيع على هذه الوثيقة قد حان، ويمكن الرجوع إلى نصها المسرب كي نعرف تفاصيل خطة كيري بالتفاصيل!