لا يمكن لأي ضمير حي في هذا العالم، فضلا عن أن يكون عربيا أو مسلما، أن يمر مرور الكرام على التقارير المتعلقة بقتل 11 ألف معتقل سوري تحت التعذيب في سجون بشار الأسد، ليس لأن العدد هائل، ولا يعبر سوى عن الجزء الظاهر من جبل الجليد، بحسب تعبير صحيفة الغارديان البريطانية (حصيلة ما وثقه شخص واحد في دمشق)، بل أيضا لأن مستوى البشاعة فيها يفوق أي تصور للبشر في القرن الحادي والعشرين.
ولأن المدافعين عن هذا النظام سينكرون كل ذلك، تماما كما أنكرت إيران، وسينكر حلفاؤها، فإن من حقنا أن نذكّرهم بالطفل حمزة الخطيب، وقافلة طويلة من الذين قضوا تحت التعذيب، وبعضهم فلسطينيون، لكننا نذكّرهم قبل ذلك بتاريخ طويل لهذا النظام في ميدان التعذيب والانتهاكات في السجون، فضلا عن المجازر؛ ليس ابتداء بمجزرة سجن تدمر الشهيرة مطلع الثمانينات، ولا بمذبحة سجن صيدنايا قبل سنوات قليلة، بل أيضا بتاريخ وثقته كتب وروايات وشهود لبشر لا يزال بعضهم أحياء، وهم قلة ممن تمكنوا من احتمال هول العذاب، والخروج من السجن بعد عشرين سنة أو أقل أو أكثر.
على أن المشهد هذه الأيام يبدو مختلفا إلى حد كبير، فهو يضيف إلى الطبيعة الإجرامية للنظام، قدرا كبيرا من التعبئة الطائفية لعناصره، إذ يعلم الجميع أن من يقومون على الأمر في المعتقلات هذه الأيام إنما ينتمون إلى طائفة معينة تعتبر نفسها مستهدفة بالثورة، وتدافع عن نفسها بكل ما أوتيت من قوة، ولذلك لا غرابة في أن تصل مستويات البشاعة على أيديهم حدودا لم تصلها من قبل.
سننقل هنا تفصيلات من صحيفة الغارديان البريطانية حول الوثائق المعنية والتحقيق الذي حصلت عليه، وننقلها ليس لأجل قوم بلا أخلاق ولا ضمير يمكنهم إنكار الشمس في رابعة النهار لأجل الدفاع عن نظامهم الحبيب لأسباب تراوح بين الحزبية والأيديولوجية والمذهبية والطائفية، بل لأجل أناس يمكن أن يشكوا بحسن نية، أو ربما لعدم قدرتهم على استيعاب أن كائنا بشريا يمكن أن يفعل كل ذلك.
التقرير الذي يوثق قتلا منظما لحوالي 11 ألف معتقل أعده ثلاثة خبراء قانونيين، وثلاثة خبراء في الطب الشرعي قاموا بفحص 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل. وتشكل الفريق القانوني من ثلاثة محامي ادعاء سابقين عملوا في المحكمة الدولية الخاصة بجرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة وسيراليون، وقاموا بفحص آلاف من الصور التي هرَّبها منشق سوري كان يعمل مصورا في الشرطة العسكرية (قابله الفريق وتأكد من مصداقيته)، من ملفات الحكومة السورية، وسجلات الوفيات التي تشير إلى موت المعتقلين في الزنازين من آذار/مارس 2011 حتى آب/أغسطس 2013.
ومعظم الضحايا كما يقول التقرير هم من الشباب، كما أن معظم الجثث تحللت، وعليها آثار الدماء وحملت علامات التعذيب. وفي بعض الحالات بدت الجثث وكأن أصحابها قد تعرضوا للتشويه مثل قلع أعينهم، وأظهرت علامات على الخنق أو الصعق بالآلات الكهربائية.
وجاء التقرير الذي طلبت واحدة من مكاتب المحاماة الشهيرة إعداده وقُدم للأمم المتحدة والحكومات ومنظمات حقوق الإنسان، جاء في 31 صفحة. وقال الرجل (الشرطي الذي سرّب الصور) للمحققين إن وظيفته كانت التقاط صور للمعتقلين الذين ماتوا تحت التعذيب. ولم يزعم أنه شاهد عمليات قتل أو تعذيب، لكنه وصف عملية بيروقراطية معقدة يتبعها النظام.
وقال إن “الإجراء عندما يموت معتقلون في أماكن اعتقالهم، يتمثل في أن يتم نقل جثثهم للمستشفى العسكري مع طبيب أو شخص من النيابة”، وكانت مهمته هو التقاط صور للجثث، وذلك لأجل “السماح باصدار شهادة وفاة بدون أن تطلب العائلة مشاهدة الجثة، مما يجنب السلطات توضيح أسباب الوفاة، أما الأمر الثاني فهو التأكيد من أن أوامر إعدام الأشخاص قد نفذت”.
وعادة ما تقدم السلطات للعائلات أسباب الوفاة على أنها “سكتة قلبية” أو “مشاكل في التنفس”. ويضيف التقرير أن “إجراءات التوثيق عندما يقتل معتقل كل يوم تتمثل في إعطائه رقما يشير إلى الجهاز الأمني المسؤول عن اعتقاله ومن ثم موته”. و”عندما تنقل الجثة للمستشفى العسكري تعطى رقما جديدا، من أجل تسجيل أن وفاته حدثت في المستشفى، وليس في السجن كما حدث فعلا، وعندما يتم تصوير الجثث يتم نقلها للدفن في المناطق الريفية”.
ويقول أعضاء فريق التحقيق إنهم راضون عن وجود أدلة واضحة، يمكن أن تقدم لمحكمة جرائم الحرب وتؤكد قتلا منظما للمعتقلين.
ماذا يريد العالم أكثر من ذلك كي يتأكد من حجم جرائم هذا النظام، وهل من يقتل المدنيين العزل بالبراميل المتفجرة، وقبل ذلك بالكيماوي والصواريخ، يمكن أن يكون أرحم بهم في الزنازين؟!
لقد أدرك العالم أن سوريا لا يمكن أن تبقى تحت حكم هذه الطغمة رغم تآمره للإبقاء على البنية السياسية للنظام لأجل مصلحة الكيان الصهيوني. الكيان الذي يدَّعي فاقدو الضمير والأخلاق أن نظامهم يقاومه، حتى بعد أن سلّم سلاحه الكيماوي وعرض نفسه خادما للصهاينة وللغرب في مواجهة “الإرهاب”.