الأحداث والوقائع الكثيرة في مصر، يستطيع من يشاء من الكتاب من خلالها، أن يكتب كل يوم كتابا، إن أسعفه الوقت، بعد أن كثرت تلك الأحداث والوقائع المهمة. هناك الحرب على الارهاب، خصوصا في سيناء، يتصدى لها الجيش وكل أجهزة الأمن بقوة، ولكن فلسفة الارهابيين تحتاج الى مزيد من الوقت لإبراز زيفها وخداعها، ومزيد من المشاركة الشعبية الى جانب جهد وجهاد الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، فالمعركة معركة وطن وليست معركة فصيل أو قطاع من هذا الوطن العزيز. أمن الوطن ووحدته وسلامته، يجب أن يكون في صدر الأولويات، وفي قمة قائمة التحديات الخطرة، وأن تحشد له كل الامكانات لضمان النجاح في تلك المعركة الشرسة، ولحماية الوطن من أن يتحول الى حالة من الحالات الصعبة والتعيسة، وحالات الدمار والتدمير، كما في أفغانستان والعراق وسوريا والصومال.
هناك أيضا، وعلى الساحة اليوم الاستعدادات للاحتفال بذكرى 25 كانون الثاني/يناير الثالثة، ومواجهة خطر كل من يريد إفشال تلك المناسبة العظيمة. ومع هذه الذكرى الثالثة يسترجع العاقل الانجازات العظيمة فيحافظ عليها، ويراجع الأخطاء التي يجب أن نتحاشاها في مسيرتنا، وألا ينخدع فريق من الثوار بما يزعمه أو يروجه آخرون من أصحاب التدمير باسم الدين أو السياسة. هناك أيضا في مصر اليوم حديث عن أخطاء في المسيرة يجب تصويبها، وهذه الأخطاء من الضروري الاقلاع عنها وينبغي أن تكون في حجمها وموضعها الصحيح، من دون تهويل أو إهمال. وهناك في مصر اليوم أحاديث عن تنفيذ بقية بنود خارطة الطريق بعد نجاح عملية الاستفتاء على الدستور بكل أبعادها. يتمنى غالبية الشعب المصري في ضوء الحوار المجتمعي عن خارطة الطريق مع الرئيس، أن تكون الانتخابات الرئاسية أولا، ولكن هذا الاقرار يرجع الى المشرَّع الذي سيختار بين أيهما أولا. والدلائل تشير عند كتابة هذا المقال، الى أن تتجه الرئاسة الى إجراء الانتخابات الرئاسية أولا.
هناك أيضا ظاهرة العنف بكل درجاته وأنواعه، ذلك الذي صاحب التنافس السياسي، فحوله الى صراع عنيف لا علاقه له بالسياسة ولا بالدين، بل نرى وراءه التشدد والفهم الخاطئ، والابتعاد عن الوسطية التي جعلها الله تعالى لهذه الأمة نبراساً وإعلاء لمكانتها في الشهادة على الناس – كما جاء في القرآن الكريم ‘وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُم أُمةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا’ (البقرة: 143).
هناك في مصر أيضا ظاهرة البلطجة والاجرام، وإن خفت بعض الشيء عما كانت عليه في السنوات السابقة بعد الثورة، ولكن لاتزال الجرائم التي نقرأ عنها كل يوم مخيفة، ومنها ما يؤكد أن جزاء الاحسان لم يعد هو الاحسان، ومنها ما يؤكد الانحراف الفكري والاخلاقي، كمن يقتل أمه أو أباه أو خاله أو عمه الذي أنفق عليه، طمعا في مال قد لا يجده بعد أن يرتكب الجريمة ويضيع مستقبله، ويستوى في هذا الجرم الرجال والنساء. هناك وهناك وهناك. من الجرائم البشعة كذلك خطف الأطفال وطلب فدية لتحريرهم أو إعادتهم الى ذويهم، ومنها جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب المشينة في حق بلد ينتسب الى الاسلام أو المسيحية أو حتى اليهودية لأنها بلاد الأديان السماوية.
أما بشأن الدستور والنتيجة العالية التي حققها، فلا تزال النتيجة محل استفسار وتساؤل، وليس ذلك بالضرورة عن سوء نية. دعيت الى لقاء وحوار بشأن الدستور في فندق البارون في مصر الجديدة بالقاهرة ظهر الأربعاء 22 يناير 2014 بعد أسبوع من الاستفتاء على الدستور. الدعوة جاءت من مجموعة سفراء آسيا، التي نظمت تلك الندوة عن الدستور الجديد بعد إقراره، وحضر الاجتماع 24 سفيرا آسيويا من بينهم سفراء باكستان وأفغانستان وماليزيا وإندونيسيا وبنغلاديش وطاجيكستان وإيران وغيرهم. أبدوا جميعا اهتمامهم بالدستور وحبهم لمصر، ورغبتهم في استقرارها. تحدثت في بداية الندوة عن تشكيل لجنة الخمسين، وأنها تمثل شتى فئات الشعب والمجتمع، وقليل منها جاء بالتعيين كالشخصيات العامة ومعهم كاتب هذا المقال، ولكن البقية هم من اختيار الأحزاب السياسية والنقابات العامة والمهنية، والمجالس القومية، مثل المجلس القومي لحقوق الانسان، والمجلس القومي للطفولة، والمجلس القومي للمرأة وغيرها، ثم أدرجتهم الرئاسة في القرار الجمهوري.
ثم شرحت للسفراء كيفية العمل باللجنة واللائحة التنظيمية، واللجان الخمس الفرعية المنبثقة عن لجنة الخمسين، وعن عمل كل لجنة وهي لجنة المقومات والدولة، ولجنة نظام الحكم، ولجنة الحريات والحقوق، ولجنة الحوار المجتمعي، ولجنة الصياغة. شرحت لهم كذلك عن عمل اللجنة التطوعي واستفادة اللجنة من الدساتير السابقة، بل وإقرارها لعدد كبير من مواد دستور 2012 مع تعديلات طفيفة، ثم استحداث أكثر من أربعين مادة تعزيزا وتوسعه للحقوق والحريات وصيانة الكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية، خصوصا المساواة بين المرأة والرجل في الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، من دون إخلال بالجانب الشرعي، والمساواة بين المسيحي والمسلم في كل حقوق المواطنة. تساءل بعضهم عن أسباب صعود النتيجة اكبر من توقعاتهم، وما إذا كان ذلك عودة الى نسبة الـ 99′ تحت حكم الديكتاتوريين في ما قبل الثورة، سواء في مصر أو بلدان العالم العربي الأخرى. شرحت لهم كما هو مستقر في ذهني وتحليلي للوقائع والأحداث، وكما شاهدته في الشارع واللجان والمؤتمرات التي سبقت التصويت، أن وراء هذه النسبة العالية مجموعة من العوامل، من أهمها الجهد الكبير المسؤول في إعداد الدستور والقيم التي زادت فيه أو استحدثت بشكل أكبرعن الدساتير السابقة، وأيضا الجهد الذي بذلته لجنة الخمسين في شرح الدستور للشعب المصري عن طريق برامج الاعلام، التي خصصت لذلك، في الاعلام القومي والخاص، والمؤتمرات العديدة التي نظمها الشعب في كل المحافظات في المدن الكبيرة، وهذا مألوف في مثل تلك المناسبات، وفي القرى وهو ما لم يكن مألوفاً من قبل.
ومن أسباب التصويت العالي كذلك كراهية قطاع عريض من الشعب للتهديدات ولممارسات العنف وسوء أداء الاسلاميين في السلطة، الذين لا يزالون يقرأون الواقع قراءة خاطئة تظهر في العنف المصاحب للمظاهرات، والخطاب الذي يرى ما حدث في 30 حزيران/يونيو، انقلابا بعد أن كانوا يصفونه قبل وقوعه بأنه سيكون زوبعة في فنجان، ثم فوتوشوب بعد أن وقع. هذه العوامل ورغبة معظم الشعب في هذا الوقت في الانتهاء من خارطة الطريق والاستقرار، كلها كانت وراء النسبة العالية في التصويت، فضلا عن استجابة الشعب لنداءات الفريق أول عبدالفتاح السيسي الذي أصبح في نظر معظم الشعب زعيما بعد أن ملأ فراغ الزعامة.
سألني بعضهم على الغداء الجميل الذي أعدته تلك المجموعة، عن شائعة الاقبال الضعيف لأن بعض الطوابير كانت قصيرة، فتصدى لذلك السفير الصيني، الذي أكد أنه شاهد العديد من الطوابير الطويلة أيضا، وقد شرحت لهم كذلك أن الزيادة الكبيرة في عدد اللجان العامة والفرعية والاقتراع والفرز الى أكثر من 350 لجنة عامة، 11100 مركز إنتخابي وأكثر من 30400 لجنة فرعية، وهي نسب وأعداد أعلى بكثير من استفتاء 2012، كان سببا في تلك النسب العالية، وأن البلاغات عن انتهاكات عملية الاستفتاء في مصر كلها لم تزد على القدر الذي بلغته في استفتاء 2012 وبعضها كيدي وغير صحيح، وأن نوعية تلك الانتهاكات لا تقدح في النتيجة العالية نظرا للنزاهة والشفافية وشدة الرقابة الداخلية والخارجية. كما أن حوادث العنف التي صاحبت الاستفتاء كانت أقل مما توقعها أصحابها ليقظة الأمن، واتخاذ خطوات أمنية تقلل من خطورة تلك الحوادث.
كان هناك تأخير في فتح 20 لجنة على سبيل المثال، من بين آلاف المراكز واللجان الفرعية، وهي نسبة قليلة، نتمنى أن تنتهي الى الصفر في الاستفتاءات والانتخابات القادمة ونتمنى أن ينزل الى ساحة الانتخاب في المستقبل ما لا يقل عن 60′ أو 70′ من إجمالى عدد الناخبين، فنرى ثلاثين مليون ناخب أو أكثر في المرات القادمة. إنني ممن يتابعون محاربة الارهاب والعنف في كل الأماكن، وللأسف فإنني لا أرى ذلك العنف إلا في العالم العربي والاسلامي. إن انتشار العنف وأفكار القاعدة أصبح أخطر من السرطان ووباء الكبد، وهو أمر أو مرض يحتاج الى علاج سريع وحاسم.