أخر الأخبار
مركزي عباس ... وضاعة المشاركة بلا شراكة
مركزي عباس ... وضاعة المشاركة بلا شراكة

قبيل انعقاد مجلس عباس الذي سماه مركزياً، تفشى السؤال قُبيل هذا الانعقاد: ما الذي يريده رئيس السلطة من هذا الاجتماع ؟

كانت هناك إشارات صادرة من مقر الرئاسة الفلسطينية،  تساعد على الإجابة التي تقول إن عباس يستهدف هذه المرة المجلس التشريعي الفلسطيني، أي برلمان السلطة.  فبعد أن اصطنع واقعاً لبنية المجلسين، الوطني الموسع والمركزي المصغر، بدأ يتحرك في هذا الاتجاه، إذ  اختار أعضاء جدداً، للمجلسين، وأبقى هامشاً بلا أي تأثير، لكي تشغله الفصائل الوازنة المحسوبة على منظمة التحرير، وتعمد وضع العراقيل أمام حركتي "الجهاد" و"حماس" لكي تستنكف كل منهما عن المشاركة، بسبب مكان الانعقاد في منطقة محتلة يستحيل وصول القيادات اليها, والمحتلون الذين دمورا قبل ايام مركزاً ثقافياً في غزة، يعرفون مسبقاً أن القرارات المزمع اتخاذها من نادٍ صغير لعباس، لن تُنفذ، ولذلك سمح بالانعقاد. وكان عباس قد تعمد عدم استكمال عمل اللجنة التحضيرية لكي لا يكون هناك الحد الأدنى من الجدية عند انعقاد المجلس المركزي في رام الله باختياره الأعضاء.  فكل ما يضمره، هو ضمان تمرير ما يريد، لذا سعى الى ضمان وجود الأكثرية العددية، التي اصطنعها لنفسه، لكي يمرر الصيغ والخيارات التي يريدها، وأن ينتج قرارات على الورق، ذراً للرماد في العيون، على أن يكون المشاركون في اتخاذ القرارات، فاقدين للقدرة على الدفع الى تنفيذها !

كان فصيل "الجبهة الشعبية" قاطع انعقاداً ناقصاً ومختلاً، للمجلس الوطني، من غير أي توافق على شيء، وفي غياب عدد معتبر من الأعضاء الأساسيين الذين تم إقصاؤهم. وكان من المنطقي، أن تقاطع سائر الفصائل والأحزاب المحسوبة على منظمة التحرير الفلسطينية. لكن "الجبهة الديموقراطية" وفرت لعباس بعض التغطية في الانعقادات السابقة، ووجدت نفسها اليوم، بعد الاصطدام به على أمر يخصها ولا يخص السياسات العامة، مضطرة الى المقاطعة. أما حزبا "الشعب" و"فدا" فلا يزالان عاجزين عن أخذ المقتضى اللازم، لكي لا يكون الحكم على مواقف كل منهما بالوضاعة، ومساعدة عباس في جموحه وتفرده وانحرف نهجه في حكم السلطة، وفي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. 

هناك جواب، يسبق السؤال عن هدف عباس من الدعوة الى انعقاد "مجلسه" المركزي. وللجواب مقدمات مبكرة، جرى التلميح اليها، وهي سحب شرعية "المجلس التشريعي" المنتخب، لكي لا تبقى أية مؤسسة فلسطينية في دائرة النفوذ، يمكن أن تسأل عباس أو تعترض على شيء من

نهجه. والرجل يعتمد في ذلك على كون منظمة التحرير، في الأدبيات الفلسطينية، هي مرجعية السلطة الفلسطينية. وهذا أحد المحددات الشكلية عملياً،  كان الغرض منه، أيام إبرام اتفاق "اوسلو" لإعلان المباديء؛ الحفاظ على منظمة التحرير قائمة، في حال فشلت التسوية. واليوم، بعد أن فشلت التسوية، لم يتقدم رئيس السلطة، خطوة واحدة للعودة الى المنظمة، لكي تصبح هي المؤسسة التي تحسم القرار الفلسطيني. فالعكس هو الذي حصل، إذ جرى تقزيم مؤسسات المنظمة، بأطاريها الإشتراعي والتنفيذي. فتغيرت بنية المجلس الوطني ليصبح أدنى تأثيراً بكثير من تأثير المجلس التشريعي للسلطة عندما كان قائماً، أو بلا تأثير على الإطلاق. وليس أدل على ذلك، من ضرب عُرض الحائط بقرارات المجلس الوطني الذي رعاه هو نفسه ويعتبر مجلسه، دون أن يكلف رئيس السلطة نفسه بالتعليل وشرح أسباب عدم

التنفيذ . وربما كان سيتقبل منه موالوه أي تعليل، وبخاصة عندما يصرح علناً بأن قرارات "مجلسه" الوطني، ذات سقف أعلى بكثير من قدرة السلطة الفلسطينية على تنفيذها. وبدل أن يصارح ويتحدث بموضوعيه؛ زاد على بنود القرارات التي لن تنفذ، وعوداً تتعلق بغزة، كذبتها الوقائع في اليوم التالي. وربما هذا هو الذي يجعل انعقاد الغد، عبثاً لا تتقبله ذائقة الرأي العام الفلسطيني.

انعقاد مجلس عباس المركزي غداً، ليست له أية حيثية على صعيد التمثيل الشعبي. فهو محض محاولة للاستمرار في انتحال التمثيل، وفرض أمر واقع، يتنكر أساساً لحق الفلسطينيين في اختيار ممثليهم، وحق فصائلهم وحركاتهم، تالياً، في المشاركة الضامنة للشراكة

لقد رَشَحَ في أجواء مقر الرئاسة الفلسطينية، أن حل المجلس التشريعي المنتخب، لن يكون دفعة واحدة وإنما بالتدريج، من خلال استخدام عنوان المنظمة الفاقدة لدورها، للإقدام على ذلك. وسيبدأ عباس بالعزف على نغمة أن المنظمة هي "المرجعية" لتقييد عمل "التشريعي" قبل أن يبدأ في العمل، أو أن يُصار الى تجديده، في حال فُرضت على عباس المصالحة. ذلك علماً بأن "المجلس التشريعي" للسلطة الفلسطينية، له مرجعيته الدستورية وهي النظام الأساسي الذي ليس من بنوده، ما يُجيز لرئيس السلطة حل المجلس، ولا أن تكون المنظمة قيداً عليه على مستوى ادائه الديموقراطي !