ثمة أشياء وصفات وأسماء تجتمع في الكون بغموض، وترتبط بعلاقات ودلالات تفصح عن معنى واحد، لا يدركه الإنسان إلا بالبحث والتأمل والقراءة. ثمة علاقة بين الظواهر والوقائع نكتشف صفاتها وخصائصها في اللغة، ونحاول التعبير عنها بالرمزيات والشعر.
وفي المعرفة غالباً ما يكون الجمال مختبراً للتميز بين الشر والخير، والخطيئة والصلاح. ربما تدلنا على ذلك قواعد الطبيعة الفيزيائية، ورسالة الشعر بمعناه الواسع الذي يقف عند جوهر الأشياء والوجود.
ومن المؤكد أن الفيزيائي ينظر إلى الشجرة والبيت والتراب والماء والغيم بعينٍ غير عين الشاعر، لكن هذه الصفات عند الأخير تغلَّف بعدد من الرمزيات التي تتصل باللغة، لأن الشعر يختزل ظاهرة الكون في اللحظة التي تجتمع في خبرة الكلام.
وربما أكثر الأشياء غموضاً وحضوراً في النصوص هي التفاحة ليس بوصفها ثمرة، بل في كونها موضوعاً رمزياً وجمالياً. فهي تستدير في شكل القلب، وتستعير ألوان الدم، وتمنح اللسان حلاوة والعين شهوة، ولكنها في الآن تكشف سوءة الكائن، وتحمل في سياق النص معنى الاختبار لـ «الممنوع» الذي يحمل إلى «الهبوط/ السقوط»، بمعنى أن الجمال الذي ينطوي عليه الأمر يثير المشاعر الجامحة، وهو لم يكن مجرد رغبة في الثمرة، بل كان يتحقق في صورة الجمال عند الأنثى نفسها، وهي الرغبة التي تثير الشهوة واجتياح «المحرم» و «الممنوع».
وفي المقابل، جاءت تفاحة العالم الفيزيائي نيوتن بعيدة عن الشعرية، وقريبة من الموقف الدراماتيكي لإنسانٍ يستظل بفيء الشجرة فتسقط على رأسه ثمرة التفاح، فيكتشف الجاذبية التي تسبب سقوط الثمرة من الأعلى الفردوسي إلى الأرضي الدنيوي. ونستطيع المقاربة في الحالة بالقول إن الثمرة بلغت من النضوج حد شرط الانفصال عن الغصن بيقين الاكتمال الذي يسعى إلى التجربة التي جذبته إليها القوة الطبيعية، والجاذبية هنا لا تختلف عن معنى الإغواء في اللغة، والتي يكون نتيجتها السقوط.
وبين تفاحة آدم وتفاحة نيوتن الكثير من التقاطعات التي خلفت مساحة واسعة من الغموض والجدل والأسئلة التي تلامس «سيرة الفاكهة» و «سيرة اللغة».
هذا هو السؤال المعرفي الذي ينبغي الوقوف عنده لقراءة علاقة الظاهرة الطبيعية/ الفيزيائية برمزيتها اللغوية، وهي في تطور سيرة المفردة لغوياً وفق علم اللسانيات لا تبتعد عن فكرة الغواية والشهوة والقلق والتأرجح واللاتوازن الذي يفضي إلى السقوط، ولم يكن نيوتن بحال وصف الواقعة شعرياً، لكن المعنى الذي تأسست عليه رمزيات المنظومة القيمية واللغوية عبّرت عنها في تمثلات محاكمة المعرفية أو مكابدة المعرفة.
في واقعة ثمرة التفاحة قراءة لحكاية تحولات الوعي الإنساني وعلاقته بالذات والموضوع، والبحث المعرفي والرغبة العارمة في اختراق المجهول والممنوع.
في الشعر لم تخرج حكاية التفاحة عن واقعة النص الأول الذي يستعيد اللحظة الكلية لمعاناة الإنسان الذي يطرد من «فردوسه»، لتكون الواقعة ليست بعيدة عن مأزق الإنسان الوجودي في البحث عن الخلود، الذي يتمثل في تدوير سيرة الذاتية والرغبة الدائمة لاجتراح أسطورة الخروج والحنين الفردوسي، وتمثلاتها الرمزية في اللغة.