ليست المرة الأولى التي تخفق فيها ومن خلالها الإدارات الأميركية المتعاقبة في التوصل إلى حل واقعي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد أخفق الرئيس كلينتون في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، وأخفق الرئيس بوش في مفاوضات أنابوليس عامي 2007 – 2008، وتعثر الرئيس أوباما طوال ولايته الأولى، وتراجع عن اهتماماته العربية وتخلى عن اندفاعه للتوصل إلى تسوية في عهد وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ومستشاره السيناتور جورج ميتشيل الذي رحل مهزوماً بلا رجعة، بعد تقديم استقالته.
وها هو جون كيري، منذ أن تسلم حقيبة الخارجية، مع ولاية الرئيس أوباما الثانية الجارية، بدأ جهوده واتصالاته وجولاته، من بداية شهر آذار 2013، وهو يسعى لإيجاد أرضية من القواسم المشتركة تقوم على ما قطعته المفاوضات من شوط في عهدي كلينتون ( كامب ديفيد ) وبوش ( أنابوليس )، ولكنه أخفق شديد الإخفاق في بدء التفاوض، من النقطة التي تم التوصل إليها في مفاوضات أنابوليس بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يهود أولمرت.
ومنذ أن بدأت المفاوضات رسمياً في 30 تموز 2013 حتى آخر جلسة يوم 5/11/2013، لم تتقدم خطوة واحدة، فسعى كيري لنقل موضوع التفاوض من معالجة القضايا الجوهرية، إلى التوصل إلى صيغة بيان مبادئ أو إعلان نوايا أو اتفاقية إطار، تغطية لفشله في وضع أرضية، أو رؤية أميركية نزيهة ومتوسطة للقضايا الجوهرية محل الصراع وعناوينها وهي :
أولاً : عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم التي طردوا منها واستعادة ممتلكاتهم فيها وعليها، وفق القرار 194.
ثانياً : الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وفق القرار 242، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق قرار التقسيم 181 وحل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515، حيث اصطدم بالموقف الفلسطيني الذي يرفض الحلول الانتقالية أو المؤقتة أو المرحلية لأنها تعني جرجرة المفاوضات إلى عناوين إجرائية ليست ذات معنى ولا تضيف شيئاً إلى سلسلة الاتفاقات أو المبادئ أو الوثائق التي تم التوصل إليها وتم توقيعها بلا فائدة، ولم تنعكس على الأرض، حيث يفعل جيش الاحتلال ومستوطنوه وأجهزته الأمنية فعلها بتغيير الحقائق وتدمير الوقائع عبر 1- أسرلة القدس وتهويدها، 2- توسيع الاستيطان في قلب الضفة الفلسطينية وتمزيق جغرافيتها وتقطيعها، 3- أسرلة الغور وضمه ومنع التنمية والبناء الفلسطيني عنه وممارسة التطهير العرقي من أهله وتدمير ممتلكاتهم وتطويقهم ومنع قيم الحياة ومظاهرها عنهم.
واصطدم أيضاً بالموقف الإسرائيلي نحو مسألتين طرحهما ولم يجد الاستجابة لهما وهما:
أولاً: الانسحاب الإسرائيلي من أراضي الضفة الفلسطينية باستثناء القدس والمستوطنات وتوسيع ولاية السلطة الوطنية لتشمل الأراضي التي سينسحب منها جيش الاحتلال.
ثانياً : وضع قوات دولية بديلاً لقوات الاحتلال الإسرائيلي تضمن الأمن، للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بما يشمل الغور والحدود والمعابر، ولكن حكومة نتنياهو ترفض تسليم الأمن لطرف ثالث حتى ولو كان من الأميركيين، وترفض الاعتماد على الأجهزة والتكنولوجيا تعويضاً عن انسحاب قوات الاحتلال من أراضي الدولة الفلسطينية، مثلما ترفض إزالة أي مستوطنة، كما قال نتنياهو، ولا أمن ليهودي إلا من قبل يهودي.
ولهذا يحاول كيري تمديد فترة المفاوضات إلى ما بعد نيسان 2014، حتى نهاية العام الجاري 2014، لسببين أولهما توفير غطاء لتراجعه عن مواصلة جهوده، ولعدم إظهار فشله، وثانيهما لقطع الطريق على منظمة التحرير في خيارها لاستكمال عضوية فلسطين في المؤسسات والمنظمات الدولية المتخصصة أسوة بما حصل في عضوية "اليونسكو" يوم 31/10/2011، وعضوية الدولة المراقب في الجمعية العامة يوم 29/11/2012.