يقول سياسي عربي مهم ومطلع على مجريات المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية ان « الطموح الشخصي « لجون كيري وزير الخارجية الاميركي في الحصول على انجاز تاريخي في حياته السياسية المليئة بالاحباطات هو المحرك الاساسي لمتابعته الحثيثة واليومية لنتنياهو ومحمود عباس والمفاوضين من الجانبين ، وكيري لا يتحرج من الاتصال في اليوم الواحد عدة مرات بعباس او نتنياهو ، ويقول هذا السياسي العربي ان كيري يستخدم دبلوماسية الضغط الادبي على الطرفين وبالحاح منقطع النظير .
ولكن وعلى الرغم من ذلك فالكثيرون ممن يتابعون مجريات المفاوضات يعتقدون ان نجاحها ليس سهلا بل هو صعب للغاية في ظل حساسية القضايا المطروحة كالقدس والحدود واللاجئين والأمن ، وقد استبق نتنياهو الجولة القادمة لكيري في وضع شرطين اساسيين لنجاح المفاوضات وهما : اولا قبول فلسطيني بالتخلي عن حق العودة ، والشرط الثاني هو قبول الفلسطينيين بيهودية اسرائيل ، ولا اعتقد ان محمود عباس او غيره يستطيع ان يقبل بهما تحت اي ظرف من الظروف .
ويحاول نتنياهو خداع الفلسطينيين من خلال تصريحاته بشان السماح للمستوطنين في الضفة الغربية بالبقاء فيها تحت حكم السلطة الفلسطينية او ما يسمى بالسيادة الفلسطينية او ترك الضفة والعودة للعيش تحت السيادة الاسرائيلية في الخط الاخضر ، وكانه تسليم منه بسيادة فلسطينية على الضفة الغربية ، لكنه في حقيقة الامر رفض اسرائيلي لاخلاء المستوطنات وتكريسها باعتبارها شرعية ، كما ان البعض يطرح التساؤل التالي وهو في حال بقى هؤلاء المستوطنون في مستوطناتهم فهل سيطبق عليهم القانون الاسرائيلي ام القانون الفلسطيني ؟
وفي الجواب ، نقول ان هذه القضية نوقشت في مفاوضات كامب ديفيد الثانية في عهد كلينتون واصر ايهود باراك على ان القانون الاسرائيلي سيطبق عليهم وهو يعني عدم اخلاء المستوطنات واعتبارها امتدادا جغرافيا لاسرائيل وهو امر يلغي مفهوم السيادة الفلسطينية ويمنع تواصلها وترابطها الجغرافي .وفي تعداد المشكلات التى تعترض مفاوضات كيري سأتطرق لمشكلة الحدود ، فاسرائيل ومعها كيري يعتقدان بضرورة بقاء غور الاردن تحت السيادة الاسرائيلية وكذلك الاجواء .
وفي موضوع القدس يحاول كيري اختراع عاصمة فلسطينية اسمها القدس في اطراف القدس في العيزرية او سلوان ، وفي المقابل يرفض تنتياهو فكرة وجود سيادة فلسطينية حتى لو شكلية على الحرم القدسي ، وبالتالي فكرة تقسيم القدس لعاصمتين من الصعب قبولها لدي الاحزاب السياسية الاسرائيلية اليمينية التى تحكم حاليا .
وبخصوص يهودية الدولة الاسرائيلية يحاول كيري اقناع الجانب الفلسطيني بان مثل هذا الاعتراف هو وارد اصلا في قرار التقسيم رقم 181 لعام 1948 والذي بموجبه تم تقسيم ارض فلسطين التاريخية الى دولتين عربية واخري يهودية ، والذي تمت الاشارة اليه في اعلان الاستقلال الفلسطيني في الجزائر عام 1988 ، ويحاول كيري اقناع الفلسطينيين ان دولتهم ذات قومية عربية وان اسرائيل دولة ذات طبيعة دينية يهودية مع الحفاظ على حقوق الاقليات في الدولتين ، بمعني المحافظة على حقوق المستوطنين في الدولة الفلسطينية ، وحقوق العرب الفلسطينيين في اسرائيل باعتبارهم اقلية .
وفي حال قبول الفلسطينيين بهذه الفكرة فانهم تلقائيا يكرسون نتيجتين خطيرتين للغاية :
اولا : الغاء حق العودة للاجئين لان اسرائيل ستكون قد اصبحت دولة يهودية خالصة لا يمكنهم العودة اليها ونيل اي حقوق فيها .
ثانيا : سيتحول تلقائيا الفلسطينيون في داخل اسرائيل الى اقلية بلا حقوق مدنية او سياسية اقرب الى جالية فلسطينية في داخل اسرائيل .
كما سيبقى المستوطنون في مستوطناتهم داخل الضفة الغربية امتدادا ليهودية دولة اسرائيل ولن تقبل تل ابيب بتحويلهم الى اقلية تحت سيادة فلسطينية وهذه قضية بحد ذاتها ستبقى تنخر في جسد الدولة الفلسطينية العتيدة .
كيري صاحب دبلوماسية الضغط الادبي والطامح لانهاء حياته السياسية بجائزة نوبل للسلام يواصل جهوده بطريقة « المقاول « الذي يريد فتح الطريق بكل الوسائل بغض النظر عن مدى سلامة وأمان هذا الطريق في اليوم التالي