ظاهرة انقطاع بعض الأدوية من الأسواق في الأردن لم تعد بالأمر النادر وقد لا تثير في بعض الأحيان كثير من الاهتمام عندما يكون الدواء ثانوي للصحة لكن عندما يتعلق الأمر بدواء حيوي لصحة مئات واَلاف المرضى كأدوية السكري والقلب ولا يوجد لها بدائل وقد يؤدي حرمانهم منها لتعرضهم لمضاعفات جدية بل وللموت فهذا موضوع لا يمكن استيعاب ظروف حدوثه وتردده بكثرة والسكونية التي تلتزمها السلطات الصحية تجاه تكرار هذا المسلسل المرعب .
من الناحية القانونية فإن قانون الصحة العامة رقم (47) لعام 2008 ينص على أن وزارة الصحة مسؤولة عن الحفاظ على الصحة العامة بتقديم الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية والرقابية وتنظيم الخدمات الصحية المقدمة من القطاعين العام والخاص والاشراف عليها .وعند صدور قانون الدواء والصيدلة المؤقت رقم (80) لسنة 2001 نصت المادة 50 منه على أن للوزير ان يصدر بالتنسيق مع المؤسسة و النقابة تعليمات يحدد بمقتضاها انواع الادوية المسجلة الواجب توافرها بصورة دائمة وإذا تعذر على الوكيل تأمينها فعليه اعلام الوزارة وذلك تحت طائلة السماح لاي مؤسسة صيدلانية باستيرادها شريطة ان يباع للجمهور بالسعر المقرر وأن للوزير وبالشروط التي يحددها السماح باستيراد ادوية مسجلة من قبل أي مؤسسة صيدلانية لضرورات الامن الدوائي.
أمّا المؤسسة العامة للغذاء والدواء والتي رغم غيابها الميداني المستغرب المطول وانشغالها بأمور هامشية فقد غدت ببضعة أعوام المسؤولة القانونية الأولى عن كل ما يخص الأدوية في المملكة رغم أن المتصفح لقانونها المقتضب رقم 31 لسنة2003 لا يجد سوى بضعة سطور تنص على تحميل المؤسسة مسؤولية الرقابة على الأدوية وإقرار الخطط والبرامج اللازمة لذلك ومتابعة تنفيذها .
أمّا قانون نقابة الصيادلة رقم (51) لسنة 1972 فلا يتطرق إطلاقاً لمسؤولية مستوردي الدواء رغم أن القانون يفرض عليهم أن يكونوا صيادلة .
وبما أننا نتحدث بالتحديد عن أدوية حيوية قد يؤدي انقطاعها عن بعض المرضى إلى مضاعفات عديدة وفي مقدمتها الوفاة فإن قيام المستورد بوقف استيرادها على مزاجه وهو بحكم مهنته على دراية بما يقترفه من امتناع متعمد عن تقديم العون لمن حياتهم بحاجة ماسة لدوائه فإن المادة (474) من قانون العقوبات تنص على أن كل شخص توافرت حوله ظروف الحاجة إلى تقديم المساعدة وامتنع عمداً عن القيام بهذا الواجب القانوني الذي القاه المشرع عليه ، فانه يعتبر مرتكباً لجريمة الامتناع عن تقديم المساعدة والنص التجريمي هنا يكتفي بواقعة الامتناع ذاتها ، حيث يعتبرها جريمة تامة دون الاشارة إلى أي نتيجة اجرامية وليس من الضروري توافر القصد الخاص (سوء نية) في جانب الممتنع وإنما يكفي الامتناع الإرادي أي أن يعلم المتهم شخصياً بوجود شخص في خطر يتطلب تقديم مساعدة مباشرة وضرورية لإنقاذه ولكنه يمتنع عن مساعدته .
هل يمكن لأحد تفهم ارتكاب وتكرار مسلسل انقطاع الأدوية الحيوية وهل للأمر علاقة بابتزاز من أجل رفع السعر وكيف نستوعب عدم التدخل وتطبيق القانون لمنع وعقاب المستورد أو الطلب من مستورد اَخر إحضاره في الحال من مصدر اَخر كما يفرضه القانون المملوء بالغبار في مكاتب الوزارة والمؤسسة ؟
وقبل أن يعتبر القانون تصرف مستورد الدواء جريمة ألسنا قبل أي اعتبار اَخر أمام جريمة أخلاقية غير مهنية وغير إنسانية لا يضاهيها فظاعة سوى وقوف المؤسسات الرقابية في منصة المتفرجين متناسين أن التقصير والإهمال في القانون الأردني جريمة أيضاً ؟