في خضم الفذلكة والفهلوة السياسية الاسرائيلية، طرح نتنياهو، رئيس الحكومة الاسرائيلية على هامش فعاليات مؤتمر دافوس قبل ايام، بانه لن يقتلع اي مستعمرة إسرائيلية من اراضي الدولة الفلسطينية، ولن يرغم اي مستعمر على الرحيل، وسيبقي على العديد من المستعمرات في اراضي الدولة الفلسطينية. الامر الذي اثار حفيظة نفتالي بينيت، وزير الاقتصاد الاسرائيلي، ودفعه لمهاجمة رئيس حكومته، وفي الوقت ذاته رفض فكرة بقاء يهودي في اراضي دولة فلسطين. وشهدت الساحة الحزبية والسياسية الاسرائيلية جدلا حامي الوطيس حول الفكرة، التي ادعى مكتب نتنياهو، انها شكل من اشكال المناورة وبالون اختبار لقياس رد فعل الرئيس محمود عباس.
نتنياهو يعلم ، ان الرئيس عباس، ما زال متمسكا بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ويرفض بشكل جازم وجود إسرائيلي واحد على اراضي الدولة الفلسطينية. وبالتالي مناورة بيبي مفضوحة ومكشوفة، ولا تنطلي على الرئيس عباس ولا على القيادة الفلسطينية. فضلا عن ان ابو مازن لن يشعر بالخجل في اعلان موقفه للمرة المليون، القائل : لا كبيرة لوجود اي إسرائيلي يمثل دولة الاحتلال مهما كان اسم وعنوان هذا الوجود على الارض الفلسطينية. كما رفض، وسيرفض اي تبادل للاراضي وفق الوصفة العنصرية والتطهيرية العرقية لليبرمان باستثناء النسبة المحدود، التي تضم الكتل الاستيطانية الاستعمارية ولا تزيد نسبتها عن 1,9 % اما موضوع بلدات المثلث فلن تخضع للمساومة او حتى لمجرد القبول بطرحها على طاولة المفاوضات.
نتنياهو إن كان فعلا يرغب ببقاء المستعمرات على اراضي الدولة الفلسطينية، امامه خيار واحد، هو اعلان قبوله إقامة الدولة الواحدة لكل مواطنيها دون تمييز عرقي او ديني او قومي وبحيث يتم بحث موضوع الديمغرافيا بشكل جذري في فلسطين التاريخية، ومعالجة موضوعة عودة اللاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، وتحديد اراضي الوقف او اراضي الدولة لاعادة توزيعها بما يستجيب لاعادة توزيع السكان، وفتح ابواب المدن اليهودية والمستعمرات المقامة امام الفلسطينيين للشراء والسكن والمشاركة في ادارة بلدياتها ومجالسها المحلية بعد إعادة النظر في القوانين العنصرية الاسرائيلية، ووقف حملات التحريض العنصرية من الحاخامات وغلاة اليمين الصهيوني المتطرف. وهناك قضايا اساسية تتعلق باعادة نظر شاملة في دستور البلاد وعلمها وهويتها وطبيعة جيشها ووظيفتها الاستعمارية ونظامها التربوي التعليمي وثقافتها واللغة او اللغات الاساسية، ونشيدها الوطني ومركبات الدولة من الالف إلى الياء.
لكن السؤال: هل نتنياهو جاهز لفكرة الدولة الواحدة ؟ وهل هو مستعد لتحمل نتائج هذه الفكرة؟ وان لم يكن مستعدا وما زال يناور لقطع الطريق على التسوية السياسية، فما هي خياراته غير مواصلة الاستيطان الاستعماري والحرب والعنف وتعميق العنصرية وسياسة التطهير العرقي وتصاعد الفاشية داخل المجتمع الاسرائيلي؟
الخيارات ليست كبيرة امام نتنياهو وحكومته، فإما خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 او الدولة الواحدة لكل مواطنيها. وعليه استثمار الوقت المتبقي من فترة التسعة شهور والتقدم نحو خيار الدولتين او الاعلان الواضح امام إسرائيل والفلسطينيين والعرب واقطاب الرباعية والعالم، انه يتجه الى دولة واحدة، عندئذ ستختلف آليات التفاوض ومعايير المعادلة السياسية القائمة.