أخر الأخبار
جرعةٌ ملكيّةٌ من الثّقةِ بالأردُنيينَ
جرعةٌ ملكيّةٌ من الثّقةِ بالأردُنيينَ

خطابُ العرشِ الذي ألقاهُ جلالةُ الملكِ أمس في افتتاحِ الدورةِ العاديةِ الثالثةِ لمجلسِ الأمّةِ، جاء مختلفًا.. ومباشرًا بين الملكِ والأردنيين، مُفعَمٌ بالصدقِ والصراحةِ المعهودةِ من جلالتهِ، وحملَ مضامينَ ساميةً وحقائقَ متّصلةً بالشأنِ الوطنيّ، بلغةٍ واضحةٍ وحصيفةٍ ومسؤولةٍ وحريصةٍ على الأردن والأردنيينَ. 
يُمكنُ القولُ إنّ خطابَ جلالتهِ قد أتى على ثلاثةِ مضامينَ أساسيةٍ:
أولاً: الدولةُ، مواصفاتُها ودورُها ومضمونُها: وهنا جاءَ حديثُ جلالتهِ عن الأردن كدولةِ قانونٍ يجب تطبيقُ القانونِ فيها على الجميعِ دون انتقائيّةٍ وبتكريسٍ للعدالة... ودولةِ إنتاجٍ لقدرتِنا على امتلاكِ العناصرِ التي تكرّس الاستقلالَ الاقتصاديّ.. فالدولةُ لا تُبنى بالكلامِ وإنّما بالعملِ والاجتهادِ.
ثانيًا: الثقةُ بالأردنيينَ، فالخطابُ يُعزّز جُرعة الثّقة الملكيّة بالشعبِ الأردنيّ الذي خاطبهُ جلالتهُ بالعظيم.. واليومَ علينا أن نستذكرَ بفخرٍ واعتزازٍ أنّ الأردنيينَ يدركونَ أنهم على الدّوام في صدارة أولويات جلالتهِ،  وحمايُة الأردنّ والأردنيينَ من أيِّ عبثٍ أو تطاولٍ أو مساسٍ سيظلُّ مُنتهى الغاياتِ، ويقعُ علينا كمواطنين أنّ نكون بمستوى ثقةِ الملكِ، وأن نعملَ على صيانةِ مكتسباتِ هذا الوطنِ وتحوّلاتهِ وإنجازاتهِ ووحدتهِ وأمنهِ واستقرارهِ، وأن نُحافظَ عليه من الدّسائسِ والأخطارِ والنوايا المُبيّتة للطامعين والحاقدين والانتهازيين وتجارِ الأزماتِ، الذين لا يَحلو لهم العيشُ إلا في ظلّ الحرائقِ واشتعالِ النيرانِ التي لا ينتجُ عنها سوى المآسي والآلام.
يقعُ علينا اليومَ واجبُ الحذرِ، من الإشاعاتِ التي تهدفُ لتشويهِ السّمعةِ والنيلِ من المُنجزات، وباتَ مطلوبًا تحفيزُ روح التميّزِ والإخلاصِ في العملِ وإتقانهِ، فثمةَ من يستغلُّ أجواءَ الحريّة والديمقراطيّة في التّطاولِ على ثوابتِنا الوطنيّة وجَعْلِ التعدديّة السياسيّة وحريّة الرأي والرأي الآخر مِعوَلَ هدمٍ؛ لتخريبِ الوطنِ وإشاعةِ الفوضى والفتنِ، يُصوّرون للآخر أنّ البلادَ ليست آمنةً، وأنّ الوطنَ على شفا هاويةٍ، وفي حقيقةِ الأمرِ هُم من يقفونَ على تُخومها، وستذهبُ بهم هبّةُ ريحٍ إلى حيث يُفترض أن يكونوا. 
ثالثًا: وضعُ الإصبعِ على مكامنِ الخَللِ: جاءَ الخطابُ كاشفًا لما يجري في البلادِ وأنّ جلالتهُ يعرفُ ويعلمُ دقائقَ الأمورِ، لذلكَ تأتي قراراتهُ ورؤاهُ وسياستهُ بالمُجملِ انعكاسًا للفهمِ الواعي بالواقعِ القائمِ على التواصل الوظيفيّ والإنسانيّ مع الناسِ، ما أكسبهُ القدرةَ على التعاملِ مع الواقعِ كما تستدعي حاجاتُه، وحين يعملُ على التغييرِ فلا تقفزُ السياسةُ إلى حيث تفقدُ توازنها وينهارُ البناءُ.. بل تنطلقُ من حاجةِ الناسِ ومتطلّباتِ الراهنِ الوطنيِّ. 
وفِي ثَنايا الخطابِ جرعةٌ من التفاؤلِ والثّقةِ بالنفسِ، وعليهِ فإنه ينبغي أنْ يكونَ قلقُ الأردنيينَ «المشروع» حافزًا لمزيدٍ من العملِ والإنتاجِ، فهُمُ الذين خاضوا تحت ظِلِّ قيادتِنا الهاشميّة ملاحمَ مسيرةِ بناءِ الأردنِّ، وصنعُوا معها أعظمَ الإنجازاتِ والتحوّلاتِ والانتصاراتِ العظيمةِ، وحقّقوا معها الكثيرَ من المعجزاتِ التي كانت في طيِّ الأحلامِ وغَدَت اليومَ شواهدَ حيّةً، أفردت للأردن مكانةً متميزةً في الخارطة الإقليميّة والدوليّة.
وما من شكٍّ في أنّ جلالتهُ قد أرادَ بهذا الخطابِ الشّفافِ والواضحِ أن يضعَ الأردنيينَ، ومن خلالِ مُمثليهم في البرلمانِ، أمامَ مسؤولياتِهم الوطنيّة والتاريخيّة إزاء التحدّياتِ التي تُجابهُ الوطنَ والتي ينبغي التّصدّي لها برصِّ الصّفوفِ وتوحيد الجبهةِ الداخليةِ باعتبارِ أنّ هذا الوطن هو وطننا جميعًا، ومسؤوليةُ الحِفاظِ عليهِ هي مسؤوليةُ كلِّ أبنائِهِ.