طهران-الكاشف نيوز:عملت طهران على تطوير مفهوم "محور المقاومة" بالتعاون مع النظام السوري وحزب الله من أجل تبرير التدخلات الإيرانية في مختلف مناطق الشرق الأوسط، لا سيما العربية منها. وقد وظف النظام الإيراني هذا المفهوم في دعايته الإعلامية الممنهجة، لتفسير ما لا يمكن تفسيره من تورط في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغيرها من المناطق.
لقد استغل الإيرانيون "محور المقاومة" لتحقيق شراكات طويلة الأمد مع جهات غير حكومية في بلدان مختلفة، الأمر الذي منح طهران موطئ قدم عسكرية خارجية، وحلفاء غير حكوميين، ملتزمين بتوسيع النفوذ الإيراني في كل مسرح.
تستكشف هذه الدراسة أهداف إيران، ودوافعها في حروب سوريا والعراق واليمن، وتفاصيل قدراتها الإقليمية المتنامية، وكيفية تطور العلاقات بين المجموعات غير الحكومية المدعومة من إيران، فضلا عن ظهور أطراف "المحور" كتحالف إقليمي ينذر بالخطر.
تذرعت إيران بمجموعة من الدوافع لتبرير تدخلها في سوريا والعراق واليمن. في البداية، قالت طهران إن أسبابها "دفاعية" لما وصفته "تهديدات ضد الحلفاء والمجتمعات الشيعية" في هذه البلدان. ولكن حتى بعد استقرار الجبهات، توسعت طموحات الإيرانيين وأصبحوا هجوميين بشكل أكبر، مستفيدين من بعض المكاسب العسكرية لشركاء طهران الإقليميين.
سوريا: عندما واجه الأسد ضغوطا متزايدة من "المعارضة السورية" عام 2013، واشتدت الأزمة عام 2015 مع ظهور داعش غربي سوريا، هرعت قوات إيران وحزب الله إلى الأراضي السورية لمنع انهيار نظام الأسد. ولكن حتى مع تحقيق أهداف إيران المعلنة، تحرك الإيرانيون عام 2017 لبناء قواعد عسكرية دائمة في سوريا، ما ينفي خرافة "الأسباب الدفاعية".
اليمن: واصلت إيران تزويد جماعة الحوثي المتمردة بأشكال الدعم المالي والعسكري كافة عبر سنوات طوال، ما مكنها من فرض سيطرتها على أجزاء واسعة من البلاد، تحت ذرائع "دفاعية"، ما اضطر التحالف بقيادة السعودية إلى التدخل من أجل إعادة البلاد المخطوفة إلى الحكومة والرئيس. وبرغم مزاعم إيران "الدفاعية"، إلا أنها أمرت الحوثيين بالتحول نحو الهجوم خارج الحدود، وهو ما يفسر استراتيجية الحوثيين في استهداف مناطق مدنية على الأراضي السعودية.
العراق: مع بروز تنظيم داعش عام 2014 في العراق، أسرعت طهران إلى إرسال أسلحة ومستشارين عسكريين لفصائل قوات الحشد الشعبي الشيعية، متكئة على شركاء الميليشيا الأساسيين مثل منظمة بدر وكتائب حزب الله العراقيتين. ولكن بعد تراجع داعش بحلول 2016، عملت طهران بالتعاون مع شركائها في قوات الحشد الشعبي على توسيع أهدافها وسيطرتها نحو الحدود السورية، بغرض خلق ممر بري يربط بين إيران والعراق وسوريا.
التجربة الإيرانية أدت إلى تقوية روابطها بالمجموعات غير الحكومية، وتحويل المليشيات الشريكة إلى عناصر إقليمية مؤثرة. هذا التوسع في المحور، الذي شمل مجموعات غير حكومية في اليمن والعراق منح إيران 3 ميزات محددة:
ميزة شبه عسكرية: يقوم النهج التشغيلي - العملياتي الإيراني على نظام شبه عسكري، جرى بموجبه نشر "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري من أجل التدريب وتقديم المشورة للجهات الفاعلة الإقليمية. مثل هذا النهج منح إيران قوة عملياتية مرنة ذات كفاءة، بتكاليف منخفضة ماليا وبشريا. وبالطبع، هذه السياسة قامت على إقناع الوكلاء بالولاء والإخلاص للمصالح الإيرانية على المدى الطويل.
ميزة استكشافية: تعلمت إيران ومليشياتها التابعة كيفية إدارة الحملات الأجنبية بكل عناية. فقد احتفظ حزب الله بمهمات استشارية في اليمن مع الحوثيين، وفي العراق مع قوات الحشد الشعبي، وفي سوريا مع المجموعات الشيعية الأخرى. ويمكن الجزم بأن عناصر حزب الله هم من قادوا هجمات المجموعات التابعة في أفغانستان وباكستان على السلطات الحاكمة.
قابلية التشغيل المتبادل والعمل المشترك: تحافظ إيران على مجموعة متنوعة من القوى البشرية ذات الخبرة في ساحات المعارك. وبفضل الممرات البرية التي خلقتها إيران بالهيمنة العسكرية، يمكن لها اليوم إشراك عناصر من مختلف المجموعات الإقليمية في أي ميدان خارجي ترغب به. وقد اكتملت الحلقة ما بين قاسم سليماني، وبشار الأسد، وحسن نصر الله، وعبد الملك الحوثي، وأبو مهدي المهندس.
وحرصت إيران على تقوية المجموعات غير الحكومية التابعة لها في الجبهات المحلية المختلفة. وبفضل القدرات العسكرية المتنامية والمهارة السياسية، تمكن شركاء طهران من إضفاء الشرعية والقانونية على وجودهم وأسلحتهم، عبر ممارسات ضغوطات مباشرة وغير مباشرة. وجميعنا نعرف ما فعله حزب الله في لبنان، وقوات الحشد الشعبي في العراق، اللذان احتلا مناصب حكومية سيادية رفيعة المستوى، تخدم سياسات طهران حصرًا.
وبعد أن صعد وكلاء إيران سياسيا وعسكريا في البلدان المذكورة، تغير شكل الشراكة من محور مقاومة إلى تحالف ظاهري، ووكيل جوهري. وبكلمات أخرى، إيران لا تتعامل مع مجموعاتها الإقليمية التابعة كـ"حلفاء" بل كـ"وكلاء". وقد تجلى هذا الأمر في مجموعة القرارات التي اتخذتها المجموعات المذكورة محليا بما يتناغم مع أجندة إيران التوسعية.
ومع ذلك، يمكن القول إن حزب الله هو الحليف الأيديولوجي والعسكري الأقرب إلى إيران. في الواقع، تعتمد طهران على حزب الله في وضع وتنفيذ الإستراتيجية الإيرانية الخاصة بالوكلاء التابعين في العراق واليمن وسوريا.
هذه المجموعات الوكيلة توفر لإيران القوة والتأثير في جميع أرجاء الشرق الأوسط. ولكن، على غرار معظم التحالفات في العالم، تشكل هذه الإستراتيجية من الشراكات تحديات ونقاط ضعف ستؤثر مستقبلا على الناطق التشغيلي - العملياتي، وعلى إمكانية الحفاظ على التحالفات على المدى الطويل.
قيود "محور المقاومة"
التباعد الإستراتيجي: مع تنامي قوة شركاء إيران سياسيا وعسكريا وماليا في الساحات المحلية، قد نشهد انحرافات واختلافات بين الأطراف في المنظور القريب. وقد تنمو هذه المجموعات بشكل مستقل، وربما تنشطر عن طهران فور ظهور أجندة مفاجئة، تمامًا مثلما حصل مع حماس بشأن الحرب السورية، ورجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في العراق. وما يزيد من إمكانية انشقاق هذه المجموعات عن "محور المقاومة" في المستقبل، هو دمجها في هياكل حكومية محددة، تسلخ عنها شعور الحماسة الأيديلوجية الذي يربطها بطهران. كما أن هؤلاء الوكلاء قد يستشعرون مستقبلا ثقل يد إيران، أو التعب من الصراع، أو حتى إدراك حقيقة استغلالهم من أجل مكاسب سياسية بحتة. وهذا بالطبع سيثبط معنوياتهم عن الانتشار في الخارج، أو حتى دعم الوجود الإيراني في الداخل.
التركيز المحلي: اهتزت الشوارع الإيرانية في عام 2018 احتجاجا على إستراتيجية النظام في نشر حروب إقليمية على حساب الاقتصاد المحلي. هذا الأمر بالطبع يقلق الدوائر الإيرانية الحاكمة إزاء قدرتها على مواصلة شراكاتها الإقليمية غير الحكومية على المدى البعيد.
العجز المالي: يتطلب "محور المقاومة" المال الكثير من أجل تسليح شركاء إيران والحفاظ على رغبتهم في شن حملات عسكرية نيابة عن القوات الإيرانية. وفي حال تدهور الاقتصاد الإيراني بشكل أكبر، قد تضطر طهران إلى الحد من عمليات الانتشار الإقليمية، أو حتى التخلي عن بعض شركائها. ومن المعروف أن ضعف الوكيل ماليا يجبره على التخلي عن صاحب الوكالة.