أخر الأخبار
خطورة التهدئة في ظل ارتجالية التكتيك وغياب الاستراتيجية
خطورة التهدئة في ظل ارتجالية التكتيك وغياب الاستراتيجية

فى ظل حالة الترهل السياسى لمنطقتنا العربية وموقعها على هامش محاور اتخاذ القرار الإقليمي والدولي؛ والتي أصبحت فيه منفذة لسياسات مقرة سلفا من وراء الحدود؛ علينا قراءة الواقع السياسى للصراع الفلسطينى الاسرائيلى واستشراف المستقبل، ولا ينبغى على أى فلسطيني أن يخدع نفسه وشعبه وأن يسوق أى رواية استشرافية مشرقة لمستقبل القضية الفلسطينية أو حتى للأوضاع الانسانية للشعب الفلسطيني؛ فأي رواية من هذا القبيل إنما تدل على ضحالة الفكر السياسي لمرددها، فالقضية الفلسطينية اليوم ومعها حقوق الشعب الفلسطينى تخضع لمزاد التصفية ومن يرى عكس ذلك فهو مصاب بعمى سياسي خطير.

فقطار التسوية الأمريكى الجبري يسير بسرعة محسوبة، وبعد انتهاء المرحلة الأولى بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها  كعاصمة لإسرائيل وبدء تجفيف المصادر المالية لوكالة الغوث؛ فمن الواضح أننا انتقلنا إلى المرحلة الثانية وهى التطبيع العربى الذى يبدو جماعيا مع إسرائيل عبر صفقات عسكرية ومشاريع اقتصادية؛ وهذا تطور كبير فى العلاقات العربية الاسرائيلية سيكون له ما بعده ومن الواضح أن ما يظهر لنا فى هذا الصدد ليس إلا قمة جبل الثلج.

ولكن فى المقابل علينا أن نعترف نحن الفلسطينيون أننا نمتلك إزاء ما يجرى من تدهور لقضيتنا ما يزيد عن الصمود والرفض؛ وبإمكاننا الانتقال من مربع ردة الفعل إلى صناعة الفعل، وأول الأفعال  فى مسيرة الصمود والرفض هى توحيد شطرى الوطن مجددا بمحددات وإرادة وطنية فلسطينية بعيدا عن التجاذبات الفصائلية والاقليمية والدولية وبواقعية تخلو من نرجسية الشعارات الجوفاء  التى أوردتنا الهاوية، وعلى أصحاب القرار السياسى فى قطاع غزه أن يدركوا جيدا أن قضيتنا لم تكن يوما قضية إنسانية؛ ورفع الحصار عن غزة إن تم رفعه لن يسجل فى التاريخ على أنه نصرا سياسيا فلسطينيا أو حتى فصائلي  إذا ما ارتبط  بوقف أو تجميد كل وسائل النضال الفلسطيني وأهمها السلمية؛ لأنه عندئذ سيكون نجاحا حقيقيا لإسرائيل وثمرة لسياسة اسرائيلية ناجحة استطاعت من خلالها اسرائيل ربط  كل أنواع النضال  السياسي  الفلسطيني بما فيها الاحتجاج والتظاهر السلمى بما تمنحه لسكان القطاع من حقوق الحياة الانسانية بحدودها الآدمية الدنيا.

وإطلاق تعبير تهدئة على تفاهم من هذا النوع حتى وإن كان شفويا ولم يكن مدونا فى محاضر اجتماعات ماراتونية هو استراتيجيا عبث سياسي سيسدد  ضربة استراتيجية كبيرة لمسيرة النضال الفلسطينى ويقزمه؛ وسيكون لها مستقبلا ما بعده إذا ما نجحت اسرائيل فى تمرير تهدئة من هذا القبيل لأن اسرائيل ستتبع نفس السياسة الناجحة تلك فى الضفة والقدس؛ ولن تعدم الوسيلة فى إيجاد أكثر من غزه فى مناطق الضفة.

ونجاح نموذج وقف النضال السياسى بتحقيق مطالب انسانية هو إنجاز استراتيجي كبير لإسرائيل سيكون له تداعيات كارثية على مستقبل النضال الفلسطينى للأجيال الفلسطينية القادمة، فإسرائيل التى لن تعطى أى فلسطينى أى حقوق سياسية مستحقة؛ ولن تفي بأي اتفاقات شفهية فهى التى لم تفى بالاتفاقات الموقعة؛ وهى تريد اليوم تسجيل هذه السابقة مقابل وعود الوهم المؤقتة؛ والتى ستنتهى عندما تحقق مآربها وتستكمل تحصين حدودها مع القطاع بجدارها الالكترونى الذكى الذى بات فى مراحله الأخيرة والذى ربما سيتزامن الانتهاء منه مع وصول قطار تصفية القضية عبر التسوية الأمريكية القائمة إلى مراحل متقدمة تفرض على الأرض.

وعلى أصحاب القرار السياسي فى غزه أن يدركوا أنهم جزء لا يتجزأ من مسيرة النضال التراكمى الفلسطينى الجمعى فى نظر اسرائيل حتى وإن اعتقد البعض واهمين غير ذلك وأن نتائج التجربة فى غزه سوف تنعكس على تلك المسيرة بسلبياتها وإيجابياتها.

إن ما يحدث اليوم هو أخطر بكثير مما يظن البعض على مستقبل الوجود السياسى الفلسطينى وعلى وحدة الشعب والقضية ووحدة تمثيله السياسى على أرض فلسطين لأنه سيتعداه إلى خطر يحدق بالوجود الفلسطيني المادي على هذه الأرض؛ ومن لا يرى هذا الخطر من المؤكد أنه منفصل كليا عن الواقع أو أنه يتماهى مع ما يجرى ويخدع نفسه وشعبه وفى كلا الحالتين فهو أول من سيدفع الثمن ضمن  الفاتورة الباهظة التى سيدفعها الكل الفلسطينى نتاج تمرير التسوية الأمريكية المعنونة بصفقة القرن.