أخر الأخبار
أردوغان التركي و”الإخوان” العرب
أردوغان التركي و”الإخوان” العرب

ما يزال غريباً ذلك التضامن الذي أبداه رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء وزعيم حزب العدالة والتنمية التركي ذي الصبغة "الإسلامية"، مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وما حل بها منذ الثلاثين من حزيران (يونيو) الماضي. وهو التضامن الذي بلغ مبلغاً كبيراً، حتى يمكن أن يُنسب إلى أردوغان ابتكار ذلك الشعار الذي يستخدمه الإخوان وأنصارهم حالياً، تيمناً باعتصامهم في ميدان رابعة العدوية، والمتمثل برسم كف يشير بأربعة أصابع على خلفية صفراء، ويشبه الحركة التي كان أشار بها أردوغان وهو يشرح لحشد من جمهوره في اسطنبول، عقب الإطاحة بمرسي، قصة رابعة العدوية.
أما مكمن الغرابة، فهو الافتراقات الأساسية والمنهجية التي بين الطرفين، والتي تجعلهما مختلفين تماماً في المضمون؛ وإن كان كل منهما ينسب نفسه إلى الإسلام، أو حتى ينسب نفسه إلى المرجعية الفكرية والسياسية نفسها.
الاختلاف المنهجي الأساسي الذي يفصل حزب العدالة والتنمية التركي، عن أشباه الأحزاب وأشباه الحركات السياسية من "الإسلاميين" العرب، يمكن تكثيفه في افتراقهما حول فكرة "الحرية". فالحزب التركي يبني سلوكه على منهج "أنا إسلامي. أما أنت، فلك الحق في أن تعتقد ما تشاء". وهذه قاعدة أساسية في الحرية الفكرية والسياسية، وفي الحفاظ على التعددية السياسية والاجتماعية في الدولة، تحول دون قيام حكم شمولي، وتسمح بتداول السلطة، ولا تستدعي فرض رأي معين على المجتمع؛ فيما تسمح للحزب الفائز بالانتخابات بإنفاذ برنامجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي مادام في السلطة، وفي الوقت ذاته الذي تنشط وتتحرك فيه قوى معارضته، سعياً للحلول محله في الانتخابات اللاحقة.
أما "الإخوان" في مصر والعالم العربي، وهم في حقيقتهم أنصار استحضار أفكار التراث وإعادة إنتاج الماضي، لا أنصار الإسلام نفسه بالضرورة، فيبنون أفكارهم وسلوكهم على نهج معاكس تماماً، مفاده "أنا إسلامي. أما أنت، فعليك أن تصير مثلي، وإلا حلّ عليك عقاب إلهي"! وهذه قاعدة لمسنا بعض تطبيقاتها في عام حكمهم لمصر، والذي سعوا فيه إلى "أخونة الدولة"، على أساس منهج شمولي، سينتهي بهم بالضرورة إلى إقامة ما يسمى "دولة الشريعة" التي تحاسب الناس على أفكارهم وآرائهم، فضلاً عن تصرفاتهم، وتتهم كل معارض أو مخالف بأنه فاسق أو كافر. وهو ما فعله الإخوان فعلاً تجاه معارضيهم.
لو كان لدى حزب العدالة والتنمية التركي مثل تلك الأفهام الماضوية والرجعية والخرافية عن الإسلام، التي لدى هؤلاء الإسلاميين المزيفين في العالم العربي، لما رأيناه حزباً سياسياً ناجحاً ينهض بالدولة والأمة التركيتين، ويريح الشعب التركي؛ بل لرأيناه حزب أزمات، يبث الخراب. ذلك أن الماضي لا يمكن إعادة إنتاجه في الحاضر أبداً. هذا فضلاً عن أن ذلك ليس مطلوباً أبداً في الإسلام، وإنما في عقول التراثيين وحسب.
يا ليتنا ننجح، في العالم العربي، في إقامة مثل ذلك الحزب الذي يعلن برنامجاً مشتقاً من قواعد الإسلام الشرعية والأخلاقية، لكنه لا يعمل على تنفيذه إلا إذا وافقت عليه أغلبية الشعب في انتخابات ديمقراطية؛ يقول فيها عن برنامجه إنه برنامج بشري يخطئ ويصيب، لا برنامج رباني يُثاب من يصوت له بالحسنات ودخول الجنة، ويُعاقب من يصوت لغيره بالسيئات والخلود في النار. ثم هو لا يُرهب الناس بإسلاميته، ولا يصوّرها تفويضاً من الله في اتخاذ القرارات أياً كانت. كما إنه لا يتغطى بآيات القرآن لتزكية نفسه ومرشحيه وسلوكه وسياساته.
حتى ذلك الحين، سيظل غريباً أن ينتصر حزب يقوم "إسلامه" على التفكير الحر، لجماعة وحركات تقيّد التفكير، وتستند إلى الغرائز، لتعميم فهمها الماضوي وتطبيقاتها الشمولية للإسلام!.