أخر الأخبار
بالتأكيد : “حماس” تريد المصالحة!
بالتأكيد : “حماس” تريد المصالحة!

ربما سيحتاج الفلسطينيون إلى ثلاثة عشر عاماً أُخرى، حتى تصبح سنوات الانقسام عشرين عاماً، تماماً مثل حال المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي مر عليها نحو عشرين عاماً، منذ أوسلو وحتى الآن، وربما أيضا يحتاج الطرفان "فتح" و"حماس" الى راع مثل جون كيري، يجد له مصلحة خاصة وشخصية، حتى يقوم بالجولات المكوكية، من اجل تحقيق الهدف الذي يريده "الآخرون" أكثر من ذوي الشأن، وربما كان هذا هو السبب الرئيسي والأساسي الذي يحول دون أن يتم أغلاق الملفين، نقصد ملف المفاوضات وملف المصالحة.
يخطئ كل من يقول بأن إسرائيل لا تريد إجراء أو حتى استمرار المفاوضات، ولو تطلب الأمر ان يكون التفاوض لازمة أبدية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لا يتم أغلاقها أو وقفها إلا حين تظفر إسرائيل بأحد أمرين : إما أن يقبل الجانب الفلسطيني بما تعرضه عليه، أي بالاستسلام لشروطها بالصلح وعقد اتفاق السلام، أو الاستمرار بمتوالية التفاوض، وطحن الهواء الى ما شاء الله، ويخطئ أيضا من يظن ان "حماس" تبغض او لا تريد المصالحة، ولكنها تريدها بشروطها، ووفق منطقها، وأول هذه الشروط هو أن لا تنتهي بالضرورة الى إنهاء الانقسام، ذلك أن من شأن مصالحة في ظل وجود الانقسام أن تخفف الضغط عنها، خاصة وأن حكمها لغزة، ليس مقبولا على الصعيد الداخلي، كما ان أحدا من دول العالم لم يعترف بها كحكم أو كسلطة.
مفاوضات فلسطينية / إسرائيلية لا تنتهي بالتوصل الى حل يضع حدا للاحتلال الإسرائيلي ويحقق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية المقبولة، تعني "تخفيف" الضغط الداخلي والخارجي عن إسرائيل، و"تحريرها" من استحقاقات الاحتلال، على الأصعدة الإنسانية والحقوقية الدولية، ومباحثات مصالحة، لا تؤدي الى إنهاء الانقسام، تخفف الضغط عن "حماس" وتحررها من المطالبة المستمرة بإنهاء الانقسام، وتحميلها مسؤولية الضرر والتآكل المستمر في الحالة الفلسطينية، وإضعافها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
آخر أخبار المفاوضات تشير إلى أن إسرائيل وكيري يرغبان في تمديدها حتى نهاية العام، وحتى يقبل الجانب الفلسطيني هذا الأمر، الذي ما زال يرفضه، وفي ظل تزايد احتمالات الإخفاق في إنجاز اتفاق الإطار، قد يلجأ الجانب الإسرائيلي الى تقديم " الجزرة " للجانب الفلسطيني متمثلة في أحد أمرين : إما الإفراج عن بعض الأسرى الجدد، أو "تحرير" أموال الضريبة الإضافية، فحتى إعادة الانتشار لم تعد واردة، كما أن انسحابا من مناطق، حتى لو كانت محدودة من المناطق المصنفة "ب" لم يعد أحد يسمع عنه، الشيء ذاته تفعله حركة حماس، التي يبدو أنها تمارس مع "فتح" والسلطة نفس السياسة الإسرائيلية "الناجحة" منذ عشرين سنة، فها هو إسماعيل هنية، يقدم "الجزرة" لـ "فتح" متمثلة بالسماح بعودة كوادر الحركة لموطنهم _ غزة _ كما تجعل "حماس" من  سماحها ومن ثم استقبالها لوفد قيادة "فتح" الزائر لغزة تنازلا من قبلها، يؤكد مسعاها لإنجاح المصالحة !
كل ما يمكن لحظه من جديد في لقاءات المصالحة، هو أن اللقاء في غزة قد جرى بعد نحو عام ونصف العام على توقف اللقاءات بين الحركتين، وأن اللقاء جرى هذه المرة بينهما مباشرة، أي أنه جرى دون أن يكون ذلك في ظل راع، وكذلك أنه جرى في الوطن _ في غزة، وليس في القاهرة، أو دمشق، او الدوحة، ثم وهذا برأينا هو الأهم انه جرى بين قيادة حركة فتح وقيادة حركة حماس غزة.
ولأن مصطلح إنهاء الانقسام لا يرد في قاموس "حماس" فإن كل حديثها يدور حول كيفية إجراء المصالحة، والمطالبة بأن يتم ذلك رزمة واحدة، أي أن "حماس" تصر على الظفر بمكاسب من إقدامها على إحداث الانقسام، وما زالت تصر على الحصول على "الفدية" جراء قيامها بالاحتفاظ بغزة رهينة طوال سبع سنوات، تعرض خلالها سكان القطاع للويل والعذاب، من الحصار الى البطالة وازدياد معدلات الفقر، ولحربين إسرائيليتين جرتا بسبب مغامرة "حماس" السياسية وبسبب إصرارها على تقديم مصالحها الفئوية الضيقة على المصلحة الوطنية.
وكما أننا نعتقد بأنه من المستحيل أن يتم التوصل الى حل سياسي مع إسرائيل تخرج بموجبه بمكافأة نهاية المدة على احتلال استمر أكثر من 47 سنة، أي على الأقل ينتهي بانسحاب دون قيد أو شرط، فإنه من المستحيل أيضا ان يتم التوصل الى اتفاق ينهي الانقسام مع "حماس" دون ان يتم التوصل لاتفاق يضع حدا فوريا للانقسام، دون ان يتضمن أي مكافأة للحركة التي أحدثته، اي على الأقل، تخرج "حماس" دون عقاب كما تخرج إسرائيل دون أن تدفع التعويض الواجب عن احتلال غير شرعي.
وكما انه من الصعب إجبار إسرائيل على الانسحاب دون ضغط، أي دون مقاومة على الأرض، فإنه لا يمكن إجبار "حماس" إلا من خلال ضغط شعبي، أي حركة احتجاج تطالب صراحة بتقديم هنية استقالته والكف عن تقديم نفسه كرئيس حكومة انفصالية، وحيث ان الضغط الخارجي من خلال المقاطعة الأوروبية لن يكون كافيا لإجبار إسرائيل على تغيير نوعي في موقفها تجاه الاحتلال، فإن سقوط الإخوان وتراجع قوة حلفاء "حماس" في الخارج لن يكون كافياً لإجبارها على الإقرار بإنهاء الانقسام، وكما يمكن الآن لإسرائيل أن تقتنع بحلول في الضفة فإن "حماس" يمكن أن تقتنع بحل في غزة، من مثل إشراك شكلي في الحكم الداخلي، والذهاب لفدرالية بين غزة والضفة، والقفز عن الانتخابات بتقاسم كل مراكز السلطة مع "فتح".