هل يهمك ان تعرف مقدار ما تتمتع به من عافية؟ سواءً اكنت فرداً او مجتمعاً او دولة، فأنت لا تحتاج ان تذهب الى عيادة “الطبيب” لكي تكتشف حالتك الصحية او السياسية،وانما تستطيع ان تعتمد هذا الدليل الذي استأذن لكي اقدمه لك ، وبعدها يمكن ان تختار بدون عناء “الخانة” التي تدلك على الاجابة الصحيحة !
اذا كنت مازلت تؤمن “بفكرة” او قيمة ما، وتسخّر حياتك للدوران حولها، وتدرب نفسك على التضحية من أجلها، وتشعر بأنك “حر” حين تعبر عنها، وتحاول ان تقنع كل من حولك بالدفاع عنها، فأنت عندئذ تتمتع “بأعلى درجات العافية” وتسير في الاتجاه الصحيح.
اما اذا كنت تعتقد بأن حياتك مرتبطة بشخص ما او اشخاص، مهما كانت سماتهم ومؤهلاتهم، وبأنك تدور في “فلكهم” وتستعد للتضحية من اجلهم، ولا تتحرك الا باتجاهم، فأنت –لا شك- تعاني من المرض والضعف، وتحتاج لمن يساعدك على تشخيص ما يناسبك من علاج، ولمن يدلك على عنوان “الصيدلية” التي تصرفه.
لكن اذا كنت افتقدت الفكرة المعتبرة، والاشخاص الملهمين، ووجدت نفسك غارقة في الدوران حول “الاشياء”، وملتصقة بالمتعة والاستهلاك، ورهينة لمطالب الجسد وشهواته، ومعلّقة بما تكدس في اسواق المال والسياسة من عروض وتنزيلات، فأنت على شفا “السقوط”، ولا تفصلك عن النهاية سوى خطوة او خطوتين...لكن ما زال امامك فرصة للتفكير وتجنب الوصول الى الهاوية.
أرجوك، لا تمطّ شفتين متعجباً او مستنكراً، فهذا جزء من القوانين التي تعلمناها من تجارب الامم والشعوب، خذ مثلاً ايه امة او دولة : كيف بدأت و نهضت، ثم كيف ضعفت وكيف هزلت، ثم كيف انتهت وسقطت؟ ستكتشف بأن الولادة التي اقترنت بالقوّة كانت مرتبطة بالإيمان “بفكرة” او قيمة او هدف التزم الجميع بها، واستعدوا للتضحية بكل مالديهم من اجلها، وحين انتصرت انتصروا، وسادوا وامتدوا، ثم ستكتشف بأن مرحلة الضعف ارتبطت بتراجع الايمان بالفكرة وتخليهم عنها لحساب اشخاص تقمصوها او اختطفوها او وظفوها لمصالحهم.
وحين حدث ذلك بدأت حالة “الضعف” وانتشرت الامراض والعلل، وانفرط عقد الجماعة، ودبت القتنة والانقسامات والاختلافات، وتعرضت الاجساد للتعب والارهاق وعانت القلوب من الخوف والقلق.
لكن تبقى لحظة الخطر، وهي اللحظة التي تتوارى فيها الفكرة نهائياً حتى لا يذكرها احد، وينكشف فيها الاشخاص فلا يعودوا قادرين على الهام احد، وعندها يغرق الجميع في البحث عن مصالحهم في عالم الاشياء...ولا يتحركون الا استجابة لنداء الذات الضيقة بما لديها من شهوات ومصالح ومكاسب وحسابات، وتلك –عندئذ- مقدمة للإستقالة من الحياة وخطوة نحو النهاية.
ربما يخطر في بالك ان تسألني عن الدليل، خذ ما حدث لامتنا حين بدأت ولاداتها من رحم فكرة هي الاسلام، فالتفّت حولها وبذلت ما بوسعها من اجلها، فنهضت وانتشرت، بدأت ب (4) رجال : نبي وصبي وعبد وامرأة واصبحت امة عددها –الآن- يفوق المليار والنصف، لكنها حين همشت الفكرة والتفت حول اشخاص يزعمون انهم يتحدثون بإسمها، أصابتها الامراض وتدهورت صحتها، وانكمشت حدودها وانعدمت فعاليتها، ووجد خصومها واعداؤها الطريق سهلاً لفكفكة اوصالها، وتكسير عظامها ،اما حين وصلت الى مرحلة “تقديس” الاشياء- حتى وهي مجرد مكدسات لم تنتجها وانما استوردتها، او الى “الافتتان” بالاشكال والمظاهر والاقتتال من اجلها- ، فقد كتبت على نفسها ان تكون “عالة” على غيرها ومجرد مستقبل لما يصدر عنه حتى لو كانت تدرك انه ضد وجودها و مصالحها، وبذلك اقتربت – كما نرى- من لحظة “الموت” والانقراض.
هذه باختصار، قوانين الولادة والمرض والوفاة، وهي تنطبق على الافراد كما تنطبق على الدول والامم، وقد تتعدد الافكار وتتباين في صحتها وصلاحيتها ، فالدين فكرة والديمقراطية والتنمية والعدالة والحرية كذلك افكار، ولكل امّة ان تختار فكرتها التي تناسبها، لا يهمّ هنا ماهي الفكرة وانما المهم ان يؤمن الناس بها، ويتطوعوا للتضحية من اجلها والالتزام بها، ومن أسف اننا تخلينا عن “افكارنا” القيمة وحين اردنا ان نستورد غيرها حرمنا اهلها منها،ومنعوها عنا، وإلا فما معنى ان تصبح “الديمقراطية” تفاحة محرّمة على امتنّا، وان يجمع كل العالمين على مطاردتنا “للقبض” عليها متى تسللت الى بلادنا، او متى توافقنا على انها “العتبة” التي ندخل منها لكي نؤثث بيوتنا كما فعلت الشعوب الى سبقتنا.
هل عرفت الان ما اصابنا ،وهل ادركت ما فعلناه بانفسنا، وهل اصبح بمقدورك ان تفهم وتحكم على حالتك/ حالتنا ؟؟ ارجو ان يساعدك هذا الدليل الحضاري المجرب على ذلك..