في الملف الفلسطيني، لا شيء ينافس المفاوضات مع اسرائيل، من حيث اللعب بالوقت والمماطلة والتسويف ،سوى مباحثات المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، وهو أمر مؤسف،ذلك أن ثمة اختلافا جوهريا بين الحالتين ،حيث أن المفاوضات مع اسرائيل، تجرى مع عدو مغتصب لاستعادة الحقوق الوطنية ،فيما مباحثات المصالحة تجري بين أشقاء يرفعون شعار، الوحدة الوطنية والنضال لإنهاء الاحتلال، واستعادة الحقوق المغتصبة .
ومنذ سبع سنوات وقعت العديد من الاتفاقات بين الطرفين، في مكة والدوحة والقاهرة ، والتقطت الكثير من الصور، بين الرئيس محمود عباس وزعيم حماس خالد مشعل وقيادات أخرى في الحركتين ،لكن لم يطبق أي شيء من تلك الاتفاقات !
آخر حلقات مسلسل المصالحة، جولة المباحثات التي عقدت في غزة مؤخرا،خلال زيارة قام بها وفد من حركة فتح،رافقتها جرعة تفاؤل،وخلت أجواء المباحثات من أي تصريحات اتهامية او استفزازية من قبل الطرفين،ورغم ذلك لم يتحقق اتفاق فعلي، وما صدر في ختام المباحثات ،كان مجرد تعهد الطرفين بعقد المزيد من اللقاءات،ما يعني استمرار الخلافات بين الجانبين، في القضايا الجوهرية المطروحة على جدول المباحثات ،وأهمها تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وانتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في الخارج! التي أصبحت في الواقع، مجرد هياكل فارغة، بعد أن تغولت عليها السلطة !
يمكن قراءة خلفية جولة المباحثات الأخيرة في التوقيت ،فالسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وعمودها الفقري حركة فتح التي يتزعمها عباس ايضا، تجري مفاوضات شاقة مع اسرائيل، تتعلق بقضايا الوضع النهائي ،وتحت ضغوط اميركية شرسة،وغياب عربي غير مسبوق عن الملف الفلسطيني، بسبب ما آلت اليه مخرجات «الربيع العربي»، من نتائج تبدو حتى اليوم لا تبشر بخير.
وما يتسرب من معلومات بشأن « اتفاق الإطار»، الذي يعده وزير الخارجية الاميركي جون كيري، تشير الى تفريط واضح بحقوق أساسية للشعب الفلسطيني يصعب على السلطة قبولها،فيما تواصل اسرائيل عمليات التهويد والاستيطان وفرض سياسة الأمر الواقع، وتضع المزيد من الشروط المذلة للفلسطينيين في أي تسوية،بل وتضع العراقيل أمام خطة كيري،الى درجة ان وزراء في حكومة نتنياهو وأعضاء كنيست يتظاهرون ضد الخطة والمطالبة بمزيد من الاستيطان !
أمام هذه الصورة القاتمة، التي تواجه السلطة الفلسطينية في ملف المفاوضات ،والضغوط المتنامية ضد المفاوضات، من قبل قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني،فضلا عما يتسرب من أخبار عن انقسامات داخل حركة فتح نفسها ، ربما كانت دافعا للسلطة لإحياء مباحثات المصالحة مع حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة ، والتي تتبنى موقفا متشدد من المفاوضات ،لعل هذه المباحثات تخفف الضغوط عن السلطة، وهي تدرك أن ذلك لا يرضي اسرائيل ولا واشنطن، اللتين تصنفان حماس في قائمة الارهاب !
أما حماس وحكومتها في غزة ،فهي تعاني صعوبات ازدادت تعقيدا، بعد التغييرات التي حدثت في مصر ،حيث توترت علاقات حكومة غزة مع القاهرة،بعد زوال حكم مرسي وجماعة الاخوان، الأقرب ايدولوجيا وسياسيا الى حماس.
كما أن الحصار المفروض على القطاع، وما سببه لسكانه من ظروف انسانية بائسة ، يزيد الضغط على حكومة حماس،وفي وضع كهذا فإن تنشيط مباحثات المصالحة مع فتح، قد يفيد لجهة تخفيف الضغوط المصرية والإقليمية على حماس،وفي كل الأحوال فإن المصالحة وإنهاء الانقسام ، يبقى شرطا أساسيا،لاي تقدم يخدم قضية الشعب الفلسطيني، التي تمر في مرحلة مفصلية .وأن لا تستمر مباحثات المصالحة تدور في حلقة مفرغة تنافس المسلسلات
«المسلسلات المكسيكية» الممللة !