أخر الأخبار
الحلّ في الوقت المناسب
الحلّ في الوقت المناسب

من البديهي القول: إن أيّ حلّ لأيّ مشكلة مرتبط بأطراف المشكلة وتطورات العلاقة فيما بينها، وما الأفكار التي تطرح عادة كحلول إلا محاولة للتقريب بين مواقف تلك الأطراف، حتى إذا ما حدث التقاطع بينها وجد الحلّ طريقه إلى التحقق على أرض الواقع، لكن في الوقت الذي يبحث فيه السياسيون عن الحلول، يكون الواقع نفسه متحركاً، أي أنه يحدث في كل يوم تطور أو مستحدث جديد، يشجع هذا الطرف على التقدم باتجاه الحل أو ذاك الطرف على التلكؤ والتراجع وعدم الرغبة في التوصل للحل. أي أنه لا يمكن فصل القدرة على التوصل إلى أي حل دون الأخذ بعين الاعتبار الوقت المناسب، حيث تكون الظروف مهيأة تماماً للتوصل إلى حل قد يرضي الطرفين أو مجموعة الأطراف في تلك اللحظة، وحتى أنه قد لا يرضيها كلها تماماً، فيقبله طرف بحماس وآخر على مضض.
وكثير من المشاكل السياسية تم التوصل إلى حلول لها دون التفاوض، أو دون التوصل إلى اتفاق ثنائي بين طرفيها، أو دون إجبار أحد طرفيها على التوقيع على اتفاق لا تريده، بل بواقع فرض الأمر الواقع، وقد حدث هذا مؤخراً فيما يخص الملف السوري، حيث لم تنجح كل مفاوضات «أستانا» وغيرها من جمع الأطراف على حل سياسي، لكن تطورات الواقع، هي التي حسمت إلى حد كبير الأمر، ورغم التوصل إلى حل دولي فيما يخص ملف إيران النووي، إلا أن تراجع الولايات المتحدة عنه في عهد الإدارة الحالية، قد أعاد بعض المشكلة، إلى الواجهة مجدداً.
وفيما يتعلق بالصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، حدثت تطورات دولية بعد انتهاء الحرب الباردة، وإقليمية بعد احتلال العراق للكويت، ومحلية حين اندلعت الانتفاضة الأولى، فرضت عقد مؤتمر مدريد، ثم التوصل لاتفاق أوسلو، الذي رأت فيه القيادة الفلسطينية حينها مدخلاً للظفر بالدولة المستقلة وانتهاء الاحتلال، فيما راهنت إسرائيل على احتواء تلك المستجدات، فتلكأت في تنفيذه، ومع مرور الوقت، فرضت حلاً من جانب واحد، على قطاع غزة، أي أنها بدأت بشق الحالة الفلسطينية، وفصلت فيما يخص إستراتيجيها للحل بين غزة والضفة، وهكذا وضعت بذور الانقسام الداخلي.
وخلال ربع قرن مضى، حدثت تطورات عديدة داخلية وإقليمية ودولية، أفضت بإسرائيل إلى التلكؤ في التوصل للحل النهائي، حيث لم تكن ترغب فيه في ذلك الوقت لأنه كان سيحقق الجزء الأكبر من الطموح الفلسطيني بانحسار الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة.
ومنذ العام 2014، أوقفت إسرائيل التفاوض تماماً، لأنها كانت لا تريد الحل في ذلك الوقت وكل الوقت الذي سبق ذلك التاريخ بالطبع، إلى أن جاءت إدارة ترامب، وفجأة بدأ الحديث عن حل متمثل بـ»صفقة ترامب»، التي تقول كل المؤشرات والتقديرات: إنها لا تحقق الحد الأدنى من الطموح الفلسطيني، وتحقق أكثر مما كانت إسرائيل على استعداد للموافقة عليه من قبل.
ولهذا فإن القيادة الفلسطينية، صارت ترى في إغلاق الأبواب على الحل الأميركي، وحتى على الرعاية الأميركية أو التوسط الأميركي بين الطرفين، إنجازاً، أو رداً لحل مجحف بكل معنى الكلمة.
ولا شك في أن إسرائيل ومعها حليفها الإستراتيجي الدائم، الولايات المتحدة، ترى في الوقت الحالي لحظة مناسبة لحل في صالحها، ووفق الإطار التفاوضي الذي تريده، أي في استمرار الرعاية الأميركية التي بدافعها تجد واشنطن نفسها مخولة في صياغة حل دون التفاوض أو الرجوع بشأنه مع الأطراف المعنية، بل في ظل قطيعة مع الطرف الرئيسي في المشكلة وهو الطرف الفلسطيني.
ولأن السياسة لا تعرف الفراغ، فإن القيادة الفلسطينية حاولت أن تجد بديلاً عن الوسيط الأميركي، وبحثت عنه في أوروبا، والأمم المتحدة، وطرقت أبواب موسكو وبكين، لكن دون رد فوري صريح.
ولا شك في أن إسرائيل ترى باستمرار الانقسام الداخلي، وفي الحالة العربية فرصة سانحة ومناسبة للتوصل إلى «الحل الظالم» بحق الشعب الفلسطيني، وخير دليل على ذلك وبعد أن رأت على أرض الواقع تعثر عرض «صفقة ترامب» لأكثر من سبب، أهمها بالطبع الإجماع الفلسطيني على رفضها ومقاومتها وعدم تمريرها، لذا فإنها ما زالت تفعل كل ما يجب فعله من تحت الطاولة لتغيّر الواقع المحيط بالحالة الفلسطينية، وبالأخص حالة الانقسام، لذا فهي إزاء الدفع المصري الحثيث لإغلاق الملف شجعت التدخل القطري المخرب للجهد المصري، وها هي تواصل السماح لأموال قطر بالدخول إلى جيوب «حماس».
يمكن القول إذاً: إن الفلسطينيين وحدهم غير قادرين على إنهاء ملف الانقسام، كذلك ما زالت مصر تواجه العوائق في طريق إنهائه، وكلما اتخذت القيادة الفلسطينية قراراً أو إجراء لإجبار «حماس» على قبول استحقاق إنهاء الانقسام، قامت إسرائيل بإفشاله، وها هي بعد فتح الممر للمال القطري، تطالب مصر بفتح معبر رفح لإفشال القرار الفلسطيني الخاص بسحب موظفي السلطة من المعبر.
بقيت هناك بارقة أمل تعزز الصمود والإصرار الفلسطيني، تتمثل بالدور الروسي الذي يتزايد تأثيره في المنطقة، والذي يدرك أن تصاعد حضور موسكو في المنطقة لا بد أن يتقاطع مع الملف الفلسطيني، لذا فإنه بات يدرك أهمية أن يتدخل في ملف الانقسام، ولعله الوقت المناسب الآن، لأن يعزز التدخل الروسي الدور المصري فيغلق هذا الملف، ومن ثم تدخل موسكو إلى ملف الصراع مع إسرائيل، لتغلق الباب أولاً على «صفقة العصر»، كذلك على احتمال إقدام إسرائيل على حل من جانب واحد، ومن ثم الدخول في عملية البحث عن حل متوازن ومقبول ويرضي الطرفين أولاً وكل الأطراف المعنية ثانياً.