أخر الأخبار
الأردن.. ضَحِيَّة إقليميّة
الأردن.. ضَحِيَّة إقليميّة

لا يُمكن لأي محلل اقتصاديّ يَدرس الحالة الاردنيّة وما شهدته المملكة من تراجع اقتصاديّ في السنوات الأخيرة دون الأخذ بعين الاعتبار التحدّيات الدوليّة خاصة تلك التي في الجوار والتي جعلت من الأردن ضَحيَّة إقليميّة.
نعم هو كذلك، فما شهدته المملكة في السنوات الأخيرة جعل المملكة أسيرة لتلك التحدّيات، لدرجة ان الأردن بات مُحاصراً اقتصاديّاً بشكل غير مُباشر؛ لكن فعليّاً وعلى أرض الواقع يدفع ثمن حروب الجوار وعدم الاستقرار هُناك.
والتأثير لم يَنحصر على الأوضاع الأمنيّة، بل أدى إلى تداعيات سلبيّة على الأمن الاقتصاديّ للمملكة التي عانت الأمرين مما يَحدثُ في الإقليم.
فالعراق الرئة الاقتصاديّة للاقتصاد الأردنيّ، إذ إن الصراعات الأمنيّة الشرسة كان لها تداعيات خطيرة على الأردن الذي توقفت في فترة من الفترات صادراته الوطنيّة إلى هُناك والتي كانت تتجاوز في فترة من الفترات 1.3 مليار دولار لوحدها، ناهيك عن إمدادات النفط التفضيليّة التي انقطعت تماما، ولجوء ما يقارب 700 ألف عراقيّ للأردن وتشكّيلهم ضغطا اقتصاديّاً كبيراً على مُختلف الخدمات والبنية التحتيّة بين ليلة وضحاها، وهو ما استوعبه الأردن بأعجوبة، استطاع دمج متغيرات الأزمة العراقيّة في مكونات المجتمع الأردنيّ.
الآن يتطلع الأردن إلى إعادة الألق للعلاقات المتوازنة مع الأشقاء العراقيين الذين خرجوا من ازمتهم السياسية الأمنيّة، والآن بين البلدين جُملة من اتفاقيات التعاون الثنائيّ التي يُعول عليها الكثيرون في إزالة كافة العقبات التي تحول دون انسياب السلع والخدمات بين الجانبين بالشكل الذي يُحقق الأهداف من تلك الاتفاقيات.
الأزمة السوريّة، كانت بِمثابة الكابوس الحقيقيّ على الأمن الأردنيّ بكافة قطاعاته، حيث باتت أرضا خِصبة للإرهاب الذي انتشر على أراضيها وأدت إلى وضع جديد في الإقليم ساهم بوقف شبه تام لكافة أنواع المبادلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة بين الأردن وسوريا، والاخيرة باتت هي نفسها أرضا للصراع الدوليّ بين مُختلف القوى، والأردن في النهاية يَدفع ثمن هذا النزاع الدوليّ ويستقبل على أراضيه أكثر من 1.3 مليون سوري لاجئ شكلوا فعلاً ضغطا غير مسبوق على قطاعات الدولة خاصة التشغيليّة منها، والتي جعلت الخزينة ترفع من مخصصات الدعم النقديّ للسلع والخدمات بشكل ساهم سلباً في زيادة الاقتراض وبالتالي ازدياد العجز في الموازنة.
لغاية الآن لا يوجد في الأفق ضوء يشير إلى عودة العلاقات الاقتصاديّة بين البلدين إلى مسارها السابق خاصة مع الإصرار الأميركيّ بمعاقبة أيّة دولة تُشارك في إعمار سوريا، مما يحرم المملكة من لعب دور إقليميّ في هذا الأمر.
حتى الغاز المصريّ الذي عول عليه الأردن كثيرا في مجالات التنمية انقطع هو الآخر لأكثر من ثماني سنوات بسبب الأعمال الإرهابيّة التي تعرض لها أنبوب الغاز العربيّ في سيناء والتي بلغ عددها 34 عملاً إرهابيّاً أدى إلى تعطيل عمل الأنابيب وإمداداته، والآن تعول الحكومة على عودة إمدادات الغاز في تحقيق نوع من أنواع الاستقرار الاقتصاديّ وتقليل كُلف الطاقة على القطاعات الإنتاجيّة المُختلفة.
وتبقى في النهاية القضية الفلسطينيّة واستفراد الكيان الإسرائيلي المُحتل بالسوق الفلسطينيّة التي تستوعب من سلع الاحتلال ما يقارب الأربعة مليارات دولار سنويّاً، وهي تضع كُلّ العراقيل من رسوم ماليّة مُختلفة، وعقبات أمنيّة أمام الصادرات الاردنيّة إلى هُناك؛ ما حرم المُصدّر الأردنيّ من أكثر الأسواق التي ترتبط تاريخيّاً بالسوق الأردنيّة.
ما نشاهده أن الأردن هو دولة مُتلقيّة لتداعيات الصراعات الإقليميّة، لم يكن لاعبا فيها أبداً، ومع ذلك يبقى الأردن منيعا مُتماسكا بأقل الموارد والإمكانات؛ ما يستدعي من مؤسسات الرقابة الاقتصاديّة الدوليّة الأخذ بعين الاعتبار هذه التحدّيات في تعاملها وتعاونها مع المملكة من خلال منحه المزيد من المِنح والمساعدات التي تُمكّنه من تجاوز تداعيات الوضع الإقليميّ.