أخر الأخبار
وظيفتان غريبتان في وطني !
وظيفتان غريبتان في وطني !

الوظيفة الأولى، يسعى إليها كثيرون، يُطاردونها صباح مساء، يُجندون لأجلها الوسطاء والمعارف، هي وظيفة محدودة المدة، تجمعُ بين الجاهل وحامل الشهادة العليا، يفتخر بها معظمُ الذين يحصلون عليها! هذه الوظيفة، يبدو أنها لا توجد إلا في وطننا، فهي وظيفة خاصة تُلائم حالتنا الفلسطينية، اسمها منحوتٌ من كلمتين، متناقضتين!
أذكرُ بأنني كتبتُ عنها عدة مرات، منتقدا طرافةَ اسمها، وآليات عملها، عندما ظهرتْ في أواخر القرن الماضي، وأوائل الألفية الثالثة، قبل رواج شبكات التواصل الرقمي الجديدة!
يعودُ سببُ ظهور اسم هذه الوظيفة الفريدة إلى آليات تنفيذها، فمرتبات هذه الوظيفة تأتي من الداعمين من الدول الأوروبية، فهم يشجعونها، ويتركون لنا اختيار منسوبيها، مدتها في الغالب الأعم لا تتجاوز الشهور الستة، مَن يحظَ بهذه الوظيفة، لا يستطيع الحصول عليها إلا بعد مرور سنةٍ أو أكثر!
موظفو هذه الوظيفة يراهم الجمهور في كل صباح، يقومون بجمع الرمال من أطراف الإسفلت بمعاولهم التقليدية، ينقلونه في عرباتٍ مجرورة باليد، ثم يكومونه في مكانٍ غير بعيد، عن مكانها الأول، في انتظار هبوب رياح اليوم التالي لتعود الرمالُ من جديد إلى مكانها السابق، يبدو أنهم يعرفون أنها وظيفة عبثية، لا طائل من ورائها سوى المشاركة الفعلية فيها!! أو ربما هم يعرفون أنها مصدر رزق لوجبة جديدة من طالبي هذه الوظيفة!!
يرتدي الفائزون بهذه الوظيفة المؤقتة الفريدة، طاقيات وبلوزات مكتوب عليها شعارات الجهات المحسنة.
 ظللتُ أتخيَّلُ المحسنين الكرماء ممن يدفعون الأجور يخرجون لنا ألسنتهم ساخرين، يقولون:: "نحن نستأجركم لتنظفوا شوارعكم، لتتعلموا فن العبث والكسل"!!
سمحنا في تسعينيات القرن الماضي لوفود شبابية أجنبية بالتطوع وتنظيف شاطئ بحرنا في غزة، على الرغم من أن غزة تعاني من أكبر فائض في الأيدي العاملة!!
كذلك ما زلتُ أتذكر يافطةً حديدية أمام ملعب فلسطين الرياضي مكتوباً عليها شعارٌ آخر: "شكرا للجهة الداعمة، لتعشيب ملعب فلسطين"!! حتى زراعة العشب في ملعبنا الرياضي الرئيس تحتاج إلى الدعم والمساندة!
أما المهنة الثانية، فهي مهنةٌ مُصاحبةٌ للمهنة الأولى، هي أيضا غريبة وفريدة، يبدو أنها أيضا لا توجد إلا في وطننا، وهي كتابة المشاريع المدعومة للجمعيات غير الحكومية، والشركات، وحتى بعض الوزارات نظير نصيب معلوم يُمنح للفني البارع في كتابة التقرير، أي، البربوزال المحكم، فكاتبي البربوزلات يشبهون صانعي أفخاخ الصيد، يصيدون  الدعم الخارجي!
أما الوظيفة الأولى التي أرجأتُ كتابة اسمها، فهي وظيفة (عامل بطالة)، سبب الغرابة يعود إلى نحتها اللُغوي الغريب العجيب، كيف يجتمع العمل مع البطالة؟ فهما نقيضان في المعنى، فالبطالة نقيض العمل، تُبطله، فالبطالة عكس العمل، تعني الخسارة، والضياع، والباطل!
ومن أبشع مدلولات عامل البطالة، إساءتُها ليس فقط في مدلولها القاموسي، بل إساءَتُها إلى شعبنا الفلسطيني، الشعب المناضل!
النضال الوطني الصحيح، ليس عسكرياً حربياً فقط، ولكنه نضالٌ في كل مجالات الحياة، كما أن المناضلين أعزاءُ، شرفاء، نُبلاء، لا يقبلون المهانة، والذلة، بأن يدفع لهم غيرُهم ثمن تنظيفهم لشوارعهم!
تمنيتُ أن تعود فلسطين إلى أيام عِزِّها، فقد كان أهلها في أربعينيات، وخمسينيات، وستينيات القرن الماضي محسنين، يتبرعون لبعض المشاريع في بعض دول العرب.
كانت حملات التبرع تجري في مدارسنا وشوارعنا، لمنكوبي الزلازل، وللمشاريع الخيرية، كانوا يدفعون النقود كذلك لإنقاذ معالم التراث والحضارة في بلاد العرب!!