أخر الأخبار
صفقة القرن.. رسائل إلى كل من يهمه الأمر
صفقة القرن.. رسائل إلى كل من يهمه الأمر

أجد من واجبي باعتباري أحد المتابعين لتطورات القضية الفلسطينية التي تمثل إحدى أهم دوائر الأمن القومي المصري، أن أتعرض لموضوع يحتل اهتمامًا إعلاميًّا ملحوظًا، وهو ما يُسمى بصفقة القرن. ولا أجد أي حرج في إعادة أو مواصلة التفكير في كيفية مواجهتها، لا سيما وأن كافة الأخبار الواردة تشير إلى أن الإدارة الأمريكية سوف تطرحها في وقت قريب.

وفي الوقت نفسه، لا أهتم كثيرًا بالتسمية التي ستُطرح بها هذه الصفقة، سواء كانت التسمية تلك الدارجة إعلاميًّا، أو كونها “خطة سلام أمريكية” جديدة. كما لا أركز كثيرًا على مكان طرحها، سواء خلال مؤتمر بولندا للشرق الأوسط المزمع عقده خلال أيام أو في واشنطن أو حتى في تل أبيب؛ فالجانب الذي يهمني يتمثل في كيفية التعامل الموضوعي مع الصفقة بما لا يرتب أية سلبيات على الموقفين العربي والفلسطيني.

لا أميل بأي حال من الأحوال إلى معسكر أولئك الذين يتخوفون مسبقًا من هذه الصفقة، ويرون أنها ستكتب نهاية مأساوية للقضية الفلسطينية، أو حتى للصراع العربي الإسرائيلي؛ فهذا المعسكر شديد التشاؤم عليه أن يعي تمامًا ثلاث نقاط رئيسية:

النقطة الأولى: أن هذه الصفقة لا تتعدى كونها رؤية أمريكية للسلام في الشرق الأوسط، على غرار العديد من الخطط التي طُرحت من قبل ولم يتم تنفيذها، بل رُفضت في النهاية.

النقطة الثانية: أن التاريخ القديم والحديث أكد لنا بما لا يدع مجالًا للشك أن الفلسطينيين والعرب لم يقبلوا أن تُفرض عليهم خطة سلام بالقوة ودون إرادتهم أيًّا كانت بنودها، وأيًّا كان الطرف الذي طرحها؛ فمعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية تمت بإرادة مصرية خالصة. وكذا معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية تمت بإرادة أردنية، وحتى اتفاقات أوسلو تمت بموافقة وبإرادة فلسطينية تامة.

النقطة الثالثة: أن القرار النهائي في مدى تطبيق أية خطة سلام على الأرض من عدمه سيكون في أيدي الفلسطينيين قيادة وشعبًا، وكذا في أيدي القادة العرب. ولا يساورني أدنى شك في أن الجميع سيرفض أية خطة لا تلبي مصالح الشعب الفلسطيني، وهذا أمر أستطيع أن أجزم به من الآن.

ومهما كانت البنود التي ستتضمنها هذه الصفقة، وبغض النظر عن كونها مجحفة أو ظالمة أو متحيزة أو حتى إيجابية في كل أو بعض جوانبها، فالأمر -في رأيي- يقتضي أولًا أن يكون التعامل معها مستندًا إلى مبدأ إعمال العقل وإسقاط العاطفة، والابتعاد عن أية أهواء أو مواقف مسبقة، أي المطلوب باختصار هو التعامل معها بالسياسة ودهائها ومناوراتها، وليس بأي طريق آخر. وبمعنى أدق، ضرورة تبني أسلوب متحضر يعرفه العالم ويقتنع به، وأهم مفاتيحه -في رأيي- عدم الرفض المسبق للصفقة قبل طرحها، أو الرفض المباشر لها فور طرحها.

وفي تقديري فإن هناك ثلاثة مسارات مهمة يجب أن تكون حاضرة ونحن نتعامل مع هذه الصفقة:

المسار الأول: وهو المسار الذي يفترض أن نسير فيه قبل طرح الصفقة، حيث يجب علينا أن نحدد مواقفنا بشكل واضح من التسوية السياسية، وما هي حدودنا الدنيا والقصوى التي لا يمكن تخطيها، على أن يكون ذلك في شكل مبادئ عامة متوافق عليها يتم إعلانها في أية اجتماعات عربية قريبة.

المسار الثاني: وهو المسار الذي سوف نتحرك فيه بعد طرح الصفقة رسميًّا، حيث يتطلب الأمر قيام الجانبين الفلسطيني والعربي بتشكيل لجنة أو مجموعة عمل على مستوى عالٍ تضم سياسيين وقانونيين وخبراء في الملف الفلسطيني الإسرائيلي على معرفة بتفاصيله الدقيقة، تكون مهمتها دراسة متأنية متعمقة للصفقة من كافة جوانبها، وتقديم تقريرٍ للقيادة السياسية يوضح مدى اقتراب أو ابتعاد الصفقة عن الحدود الدنيا والقصوى الممكن قبولها أو رفضها أو طلب تعديلها، على أن يكون هذا التقرير مزودًا بوثائق وإحصائيات وخرائط.

المسار الثالث: يتم عقد اجتماع على مستوى القادة العرب بعد تسلمهم تقرير اللجنة العليا لعرض موقفهم النهائي والرسمي من هذه الصفقة، فإذا كانت متماشية مع الموقفين الفلسطيني والعربي يتم إعلان قبولها، وإذا لم تكن كذلك يتم توضيح التحفظات الرئيسية عليها، والمطالبة بتعديل النقاط المتعارضة حتى تكون مقبولة ومقنعة ويمكن تنفيذها على الأرض.

وإذا كنت أؤكد أنه ليس من مصلحتنا كعرب أو فلسطينيين أن نرفض الصفقة تلقائيًّا ودون أي مبرر موضوعي؛ فإنني -في الوقت نفسه- أود أن أوجه الرسائل الأربع التالية:

الرسالة الأولى: للشعب الفلسطيني وقيادته السياسية، وأؤكد لهم عن قناعة كاملة وإيمان راسخ بأن مصر وقيادتها السياسية بزعامة الرئيس “عبدالفتاح السيسي” لن تقبل أية خطة سلام لا يقبلها الفلسطينيون مهما كانت الضغوط والتحديات، فهذه هي مصر وهذه هي قيادتها بتاريخهم النضالي الطويل من أجل القضية الفلسطينية التي لم ولن يفرطوا فيها.

الرسالة الثانية: أوجهها للقادة العرب وللجامعة العربية، وأؤكد لهم أن مواقفهم حتى الآن تُعد مواقف مشرفة تجاه القضية الفلسطينية وقضية القدس. ومن المؤكد أنهم لن يخذلوا الفلسطينيين مطلقًا، ولن يتجاوبوا مع أية خطط تنتقص من حقوقهم المشروعة، وعليهم أن يعيدوا في أول فرصة ممكنة التأكيد على مبادرة السلام العربية، وعلى مبدأ حل الدولتين الذي يجب أن يتم تنفيذه من خلال المفاوضات السياسية فقط التي لا بد من التحرك الجاد لاستئنافها بمرجعيات مقبولة.

الرسالة الثالثة: أوجهها لإسرائيل، وأقول لها إن تحقيق الأمن والاستقرار والعلاقات العربية الطبيعية التي يأملون فيها تُعد في المتناول، ولكنها لن تتحقق دون أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأن الهدوء الحالي ليس دائمًا، وقد ينتهي في أي وقت، وستكون القيادة الإسرائيلية هي المسئولة آنذاك.

الرسالة الرابعة: أوجهها للولايات المتحدة، وأشكر لها مواقف إيجابية كثيرة في السابق عندما كانت شريكًا كاملًا في عملية السلام في الشرق الأوسط. وأقول لها إن عليها إعادة قراءة هذه المواقف ابتداء من بيان “آرثر جولد بيرج”، السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، الذي أدلى به أمام الجمعية العامة لشرح التصويت المتعلق بالقدس في يوليو 1967، وكذا بيان السفير “تشارلز يوست”، السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، الذي أدلى به في مجلس الأمن حول الوضع في القدس في يوليو 1969. أما ما يحدث حاليًّا من مواقف أمريكية مجحفة ضد الفلسطينيين، خاصة في قضيتي القدس واللاجئين، والتحيز المطلق لإسرائيل، وطرح خطط سلام لا تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني؛ فإن كل ذلك لن يكون له أي مردود سوى تأجيج الصراع في المنطقة، وزيادة مظاهر عدم الاستقرار بها عاجلًا أو آجلًا، ومن ثمّ عليها مراجعة مواقفها في هذا الشأن.

في النهاية، وباختصار شديد فإني على يقين بأن القرار النهائي لتنفيذ صفقة القرن لن يكون إلا في أيدي العرب والفلسطينيين وليس أية أطراف أخرى. ومن ثم، فإن الهدوء والموضوعية لا بد أن يمثلا الإطار العام للتعامل مع الصفقة دون أن نظهر بمظهر الطرف الرافض؛ بل علينا تصدير هذه المشكلة إلى إسرائيل أو إعادة تصديرها لواشنطن؛ فالقضية الفلسطينية التي دخلت عقدها السادس لن يضيرها أن تستمر عقدًا جديدًا آخر ما دامت الحلول المطروحة لا تلبي تطلعات شعب صامد يعاني من احتلال، ويبحث عن أقل حقوقه المشروعة.