أخر الأخبار
سور الأردن العظيم
سور الأردن العظيم

لكن بعضنا يحاولون القفز عنه كلما أتيحت لهم فرصة!
السياسة؛ مهما بلغت شدة ارتباطها بالوطن وقضاياه، فهي الباب الأول الذي يبدد القيم الوطنية، مقارنة بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وهذه قناعتي الشخصية التي لا أحاول فرضها إلا على أصحاب العقول، الذين يفهمون ما يدور في البلاد، وفي السنوات الماضية تجلت هذه القناعة بشكل واضح، فالسياسة تخرب والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية تعمّر، وتحافظ على الشعب وعلى الحقوق وعلى الوطن..
كل المعيقات والتحديات التي تهدد الأمن ناجمة عن قناعات سياسية غير مكتملة النضوج، وجزء كبير منها انفعالي، متطاير، مبني على مناسبات وأحداث لا يلبث طويلا ويختفي، لكنه دوما يقفز الى العلن، وأخطارها تأتينا من عدة جهات، قد تكون خارجية، تحيك لنا أزمات وقضايا دولية وتحديات، ينجم عنها لجوء أو اغلاق حدود أو تسلل للإرهاب، أو أن يكون على هيئة نشاط جماهيري، يحتشد فيه الناس على الشوارع فيكلفون المجتمع والدولة الكثير، أو يكون على شكل كلام ونشاطات على وسائل التواصل الكثيرة، فتنطلق الإشاعات والدعايات وتسيء لكثيرين.. أو أن يكون عن طريق بعض القوى السياسية المتواجدة في ساحات القرار الاردني أو تلك التي تقوم بالمعارضة بعيدا عن المواقع الرسمية، وغالبا ما تنجم تحديات وتجاوزات على الحقوق الشخصية والعامة وعلى الدولة وهيبتها، والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية هي وحدها من تستوعب كل هذا، تتحمله، وتواجهه بصدر عار وقلب وعقل مفتوح، وتحنو على الجميع، وتقدم أكبر التضحيات، ويمكن لأي مواطن مهما بلغ من العمر أن يعدد أكثر من حدث خلال الاعوام القليلة الماضية، قدم فيه أبناء الأردن من رجال الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة أرواحهم، فدفعوا هم وذووهم أغلى وأعلى ثمن لحماية الأردن والناس وحقوقهم..وبعضنا ينسى تضحياتهم في اليوم التالي فيهاجمهم ويطلق النار عليهم.
حين نقوم بتقييم شامل لما يخسره الأردن جرّاء هذه التحديات والأحداث، نجد أكبر الخسائر معنوية بالنسبة للمجتمع، فكثير من الثوابت تبخرت، فغابت قيم وحل محلها منظومة من ترقيعات فكرية وأخلاقية، لا تواجه أو تصمد أمام تحد وطني واحد، يؤدي فيها كثيرون دورهم وكأنهم مقيمون على الأرض الأردنية وليسوا مواطنين، ولا يعنيهم كثيرا أن تضيع هيبة دولة أو سلطاتها، أو تنحدر أخلاق الناس وتضيع كرامتهم، حتى أرواح المواطنين سواء من الأجهزة الأمنية أم غيرها، لا تحرك جمود هؤلاء الذين باتوا لا يشعرون بشيء تجاه وطنهم وسائر افراد المجتمع، وهذه حالة معروفة لدى كل الشعوب التي تتأهب أو تمضي في تغيير غير مطلوب أو غير مكتمل الأهداف والغايات، ويتأثر بالآخرين أكثر من تأثره بالواقع الوطني.
لا يمر أسبوع واحد إلا ويتعرض رجل أمن أو عسكري لحادث ما، وأصبح استشهاد العسكر ورجال الأمن، ومراسم التشييع والمواقف المصاحبة مألوفة في إعلامنا، وتكاد تقرأ وتشاهد نفس الكلام ونفس الوجوه، حتى الشهداء متشابهون الى حد بعيد، يشبهون لون تراب الأردن وتضاريسها، وكنت أتمنى لو أضيفت معلومة في البيانات الرسمية التي تنعى مثل هؤلاء الشهداء، متعلقة بحالته الاجتماعية، وعدد الأبناء، بجانب اسمه في بيان الاستشهاد..فثمة أبطال آخرون، سيدفعون ثمن استشهاد والدهم أو ابنهم أو شقيقهم كل يوم حتى يتركوا هذه الدنيا، وهم يغيبون عن أذهان الجميع، ولا يصل الى ذهن وقلوب كثيرين منا حجم تضحية هؤلاء، الذين تركوا أرامل وأطفالا يتامى أو أشقاء وشقيقات بلا معيل ولا سند.. لا أحد يذكرهم حين نتحدث عن شهادة العسكر في سبيل الله الذي يتجلى بحماية وحراسة الناس والأوطان.
ما الذي يدفع بشاب مواطن يأتي من أقصى الشمال أو الجنوب كي يقدم مثل هذه التضحيات، التي لا يحترمها كثيرون منا، فيتهجمون في اليوم التالي على رجال الأمن ويطلقون عليهم الرصاص ويقتلونهم؟! هل تدركون حجم غياب عقول وقلوب وولاءات هؤلاء الذين لا يمتثلون لتعليمات رجل أمن، ويتهجمون عليه، يطلقون النار ويحرقون ويكسرون؟! هم ليسوا أعداء قادمين من الخارج، بل هم مجرد مواطنون يتمتعون بثقافة رديئة، يظهر خطرها في أوقات ما، خطر ينفجر كتلك القنابل والألغام القديمة التي أودت بحياة إخوة لنا من الأجهزة الأمنية مساء الخميس الماضي..
نعم لدينا سور أعظم من سور الصين العظيم، يقدم لنا وللوطن حماية من الأخطار المادية وكذلك يحمي قيمنا وأخلاقنا، التي خسرها بعضنا بسبب السياسة الرديئة وأفكارها المستوردة غالبا.