عمان - الكاشف نيوز : تباينت آراء سياسيين في تقييمهم للموقف الأردني في حال تغيير الاستراتيجية الأميركية إزاء سورية، بين ضرورة أن تبقى المملكة على حيادها المستمر منذ ثلاثة أعوام، وبين من رأى أن مصلحة الأردن تكمن في إيقاف الحرب في الجارة الشمالية، عبر إعادة التوازن العسكري على الأرض، لإجبار الرئيس السوري بشار الأسد على الانخراط جديا في حل سياسي.
ويرى بعض هؤلاء السياسيين أن "تغيير الموقف الأردني وتسهيل تمرير السلاح والمقاتلين لتقوية المعارضة المعتدلة، باعتبارها الطرف الأضعف في المعادلة السورية، قد يكون سلاحا ذا حدين، نظرا لأنه قد يؤدي بالفعل الى الضغط على النظام، وصولا إلى حل سياسي يوقف القتال، غير أنه قد يواجه صعوبة بتجنب المرور بالمعارضة المتشددة القابعة على حدودنا الشمالية".
ويؤكدون بالقول "نظرا لأن الأردن ليس دولة عظمى، فإن دوره سيكون عبر المساعدة بأي شكل من الأشكال، والجهد الآن ينصب على الجانب الإنساني، وهو الجهد الأول الذي ستتبعه جهود أخرى للعمل مع المعارضة وإيجاد مناخ مناسب لذلك".
ووفقا للعين محمد الحلايقة، فإن "من يرى أن الهدف من إعادة أميركا لدراسة خياراتها هو تسليح الجيش الحر، ينسى أن المعارضة قرب حدودنا هي المتشددة، والتي لا يستطيع الأردن دعمها، لذا فقد تلجأ أميركا الى خيار إيجاد منطقة حظر طيران عبر قرار دولي للتخفيف من الأزمة الإنسانية، رغم أن هذا القرار له تبعاته وثمنه ونتائجه أيضا".
ويرجع الحلايقة، الحديث الأميركي عن إعادة دراسة الخيارات، إلى "تجاذبات أميركية روسية حول نتائج جنيف2"، لأنه "لا يؤمن بإمكانية عودة أميركية للخيار العسكري الذي طرح سابقا"، بل "يراد الضغط على روسيا وسورية لأن اليد العليا في الميدان هي للجيش النظامي ومن يؤيده من قوى خارجية".
ولا يتوقع تغييرا جذريا في استراتيجية الأردن في التعامل مع الأزمة السورية، لأن الأردن "لن يتورط بإجراءات تشكل تدخلا عسكريا، وسيحافظ على موقفه بعدم السماح بمرور سلاح عبر أراضيه"، مستدركا أنه "ربما يساهم الأردن فقط بتدريب بعض المعارضين المعتدلين، لأنه يخشى من وجود متطرفين على حدوده الشمالية".
ويضيف الحلايقة: "كما أن المملكة لديها مرونة كافية للتعامل مع المستجدات، ومع اشتداد القتال يخشى الأردن اضطراره للتعامل مع أعداد كبيرة من اللاجئين، ولا يستطيع إغلاق حدوده، وسيبقى في هذه الحالة متحملا للتكلفة العالية للجوء السوري اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا".
ووسط حديث اميركي، عن إعادة النظر في الخيارات المطروحة على الطاولة للتعامل مع الأزمة السورية، يقول الكاتب ديفيد اجنتيوس في مقال نشرته صحيفة الواشنطن بوست الأميركية الأربعاء الماضي، إن "اجتماعا استخباراتيا جرى في واشنطن الأسبوع الماضي بمشاركة مسؤولي استخبارات غربيين وعرب رفيعي المستوى، اتفقوا خلاله على تنسيق دعم دولهم بحيث يتوجه مباشرة الى المقاتلين المعتدلين بدلا من تسربه الى المتطرفين من جبهة النصرة وداعش".
وحدد الكاتب، نقلا عن مصادر لم يسمها، بعض الدول التي شاركت في الاجتماع، ومنها "تركيا وقطر والأردن"، إضافة إلى وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف، الذي قال إنه "سيشرف على دور السعودية القيادي في برنامج العمل السري"، فيما أكد الكاتب نفسه أن الأمير نايف "حل محل رئيس المخابرات الأمير بندر بن سلطان الذي كانت قيادته لبرنامج العمل غير كفؤة".
وهذا الأمر أكدته أيضا وكالة الأنباء الفرنسية نقلا عن مصادر دبلوماسية، قائلة إن السعودية "سحبت إدارة الملف السوري من ابن سلطان، وسلمته الى ابن نايف الذي يضطلع بدور رئيسي في الحرب التي تشنها السعودية على الإرهاب وتنظيم القاعدة، وإن واشنطن وجهت انتقادات لإدارة بندر لهذا الملف".
من جانبه، رأى وزير أردني أسبق خدم في عدة حكومات، وفضل عدم ذكر اسمه، أنه "ما من شك بأن تغييرا طرأ على سياسة أميركا تجاه سورية"، مرجعا ذلك الى "اقتناع تولد لدى الإدارة الأميركية بأن العملية السياسية في جنيف فشلت، وأن النظام السوري ليس في وارد الدخول في عملية سياسية انتقالية تطبق فيها بنود بيان جنيف".
وأضاف الوزير السابق: "هذا لا يعني أن أميركا ستتدخل عسكريا، فهذا أمر مفروغ منه، فلا الرأي العام الأميركي يؤيد ذلك ولا أوباما نفسه"، مضيفا: "ولكن هل ستكون هناك إعادة دراسة لكيفية مساعدة المعارضة ليقتنع النظام بالدخول جديا في عملية سياسية؟".
ويرى أن الأمر هو "مجرد ضغط لتغيير الموازين، وهو يستغرق وقتا، ولن يحصل في يوم وليلة، ولن نرى نتائج سريعة على الأرض خلال عام مثلا، بل سنرى تحولا بسيطا في هذا الاتجاه".
وحول دور أردني في تغيير هذه المعادلة، اعتبر الوزير أنه "من غير المعروف إن كان الأردن فعلا أخذ قرارا بتغيير سياسته، إلا أن مصلحته بلا شك هي في إيقاف الحرب"، خصوصا جراء عبء اللاجئين، والآثار الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن هذه الأزمة. ويقول: "يأتي دور الأردن، كونه ليس دولة عظمى، عبر المساعدة بأي شكل من الأشكال، والجهد الآن ينصب على الجانب الإنساني، وهو الجهد الأول الذي ستتبعه جهود أخرى للعمل مع المعارضة وإيجاد مناخ مناسب لذلك".
الى ذلك، يلاحظ خلال اليومين الماضيين بروز تصعيد" اتهامي" من وسائل إعلام سورية حكومية، ومنه ما ورد في افتتاحية صحيفة الثورة مؤخرا، والتي حذرت الأردن مما سمته "اللعب بالنار" في مسألة التصعيد على الجبهة الجنوبية السورية.
وقالت الافتتاحية: "يكثر الحديث عن الجبهات حسب تقسيمها الجغرافي، وتتصدر الجنوبية منها المشهد"، متهمة الأردن "بالموافقة على مشروع الطرح الأميركي في تسخين الجبهات"، وقالت: "من يلعب بالنار تحترق أصابعه، فكيف بمن يوقدها بأصابعه المشتعلة؟".
محليا، يعتبر الوزير والنائب الأسبق ممدوح العبادي أن "مصلحتنا في الأردن هي أن لا نقترب كثيرا من النار لأنها ستحرقنا".
ولا يؤمن العبادي بأن الأردن يمكنه أن يقبل بدورفي التدخل العسكري في أزمة استطاع أن يقف على الحياد تجاهها لثلاثة أعوام.
ويزيد: "حين كان النظام السوري ضعيفا، حافظنا على حيادنا، فكيف الآن وهو أكثر قوة، كيف نغير موقفنا ونتدخل أكثر؟".
ويقر العبادي أن الأردن "لا يستطيع فرض سياسته على أميركا أو السعودية أو المعارضة السورية، وإن ما يهمنا هو المصلحة الأردنية العليا، مهما غيرت تلك الأطراف من تكتيكاتها فنحن نؤمن بالحل السياسي، إنما التصعيد العسكري نرفضه".
واعتبر أن التدخل من خلال تمرير الأسلحة والمقاتلين إلى سورية سيمثل "جريمة كبرى"، وينعكس سلبا على الأردن، ويكون "طامة كبرى، وسيكون تأثيرها أكبر من تأثير أزمة اللاجئين السوريين".
وحول إذا ما كان الأردن يتعرض لضغوط في هذا الصدد، رأى العبادي أن بإمكان الأردن الاعتراض كما فعل سابقا، في أثناء الحرب على العراق، رغم الضغوطات.
ويؤكد العبادي أن مجرد تمرير السلاح إلى سورية يعد "تدخلا عسكريا"، ويضرب مثالا على ذلك بقوله: "إذا مررت سورية سلاحا إلينا، ألا يحق لنا ضربها عسكريا؟ ونحن إن مررنا لها سلاحا فلنتوقع أن ينتقل اللهب إلينا".
وختم العبادي بالتعبير عن تخوفه من نتائج مثل هذا التغيير في السياسة الأردنية، بقوله: "صاحب مثل هذا القرار سيضعنا في أتون المعركة، وسيأتينا التكفيريون، وربما نشهد تفجيرات، هذا أمر خطير.
وكان الأردن واستراليا ولوكمسمبورغ تقدمت بمشروع قرار لمجلس الأمن الأربعاء الماضي، يهدف الى "تحسين العمل الإنساني في سورية"، ويدعو "جميع الأطراف لرفع الحصار فورا عن المناطق السكنية"، و"وقف جميع الهجمات على المدنيين، والسماح بممر إنساني لوكالات الأمم المتحدة وشركائها، بما في ذلك عبر خطوط الجبهة وعبر الحدود".
كما كان مصدر في وزارة الخارجية قال أول من أمس، حول مشروع القرار السابق، إنه "بغض النظر عن المسار السياسي، لا بد من التعامل مع المشكلة الإنسانية التي تتفاقم وتهدد أمن واستقرار المنطقة".